نادية السالمي
من صديقي جبران خليل أبدأ.. بل أتفاءل، لعلّ هذه الكلمات تخرج إلى الدنيا دون أن تطرق رسالة محفوفة بالأدب وشيء من الخجل بريدي لتشير إلى بتر شيء من المقال أو الرغبة باستبداله بمقال آخر، وهذا ما يجعلني أُعجل بتأخير جبران خليل بحكم الصداقة، لحين استيفاء الكتابة عن شعوري بالامتنان لمدير التحرير الدكتور «إبراهيم التركي « على تقديره للطاقم الذي يديره، وحرصه على مجهود العاملين من الضياع أو عدم التقدير، فشكراً لا تعرف الهرم ولا الذبول يبتر ويعتذر، ويصفح وينسى.
أعود لجبران الذي يقول في تصنيفه عن الكتّاب وعليك اعتماد هذا التصنيف إن ارتعت من حروفه وانتابك الانتماء إلى أحد فروعه « بعضنا يكتب ولا يدري أنّ قراءه في المقابر، وبعضنا يكتب لإرضاء معاصريه، معتقدًا أن في ذلك الخلود، وبعضنا إن لم يكتب يمت وهذا من الخالدين». هذا التصنيف يتناسب مع كل طبقات الكتّاب في أي مجال كان مهما ارتفعت رتبهم أو ابتعدت عن الصحافة أو اقتربت منها، وهو جدير بالتفكير لوضع تقييمك لنفسك من خلاله، وأنت أولى من غيرك بتصنيف نفسك في هذا بالتحديد لأنه معقود بنواصي أفكارك وأهدافك.
3 أيار يوم الصحافة العالمي:
لا جديد كلما زاد تهميشك وضراوة الإساءة إليك خصصوا يوماً يعتذرون فيه بأعذار بالية ووعود لن تتحقق، وحرية الصحافة ويومها شاهد ومشهود، فلا صحافة حرة ومستقلة وقائمة على التعددية، ولا حق يُراعى في هؤلاء الصحفيين الذين خسروا راحتهم أو أرواحهم في سبيل البحث عن الحقيقة، وما هذه الدعوات والمؤتمرات إلّا لبهرجة الواقع بمساحيق تسلخ جلد الوجه بأقرب حدث يقيّد حرية الصحافة، ويؤكد هذا الإحصائية التي نشرتها منظمة «فريدوم هاوس» عن حرية الصحافة في الدول العربية.
معضلة صحافتنا العربية:
- سيادة الرأي الواحد والبعد عن التعددية في الأفكار والآراء، وهذا أشنع الأخطاء لأنّ من أهم حقوق القارئ أن يقف على الآراء المختلفة، والرؤى المتباينة حتى يجد نفسه مضطرًا للتفكير والمقارنة، وبالتالي الاختيار وتكوين موقف يعترف في ثناياه بالاختلاف والتنوع فيتعافى النشء من أحادية الرأي التي يُعرف بها.
- الخوف من النقد وهذا أعجب ما في الصحافة وله ما يبرره، لكن الواجب الوطني لا يقوم إلا به فكيف لا يحظى بمكانة مميزة في الصحافة؟!.
- الواسطة الثقافية ضرورة في صحفنا وأيّاً كانت موهبتك إذا لم تحصل على تزكية أو شخصية تدفعك للتقدم، بموجب إيمانها بموهبتك أو بما لديك من منافع مستقبلية فلن تكتب، مشهد أن تدخل على المسؤول في الجريدة وأنت محمّل بحروفك، أو تبعثها عبر إيميلك فيتم تنصيبك كأحد كتّاب الجريدة لن تشاهده إلاّ في أفلام زمان. وبالمناسبة هذه الصفحة لن تنفعك الواسطة التي تستند عليها ما لم تكن موهبتك في المقام الأول، وربما لو كان لي واسطة كتبت في عدة صحف وتخيّرت بين جني مقابل مادي أو الاكتفاء بالمعنوي وترأست فوق هذا كله قناة فضائية أو قل عشراً.
- تحزب الشللية وبين هؤلاء يطلع على الدنيا كاتبان كلاهما يوصف بأنه جيد أحدهما مطبل بارع يروّج للقبح فيمن يمدح، والآخر محلل مقتدر يعمل على بند «قول حق أريد به باطل»، وقد يتبادلنا الأدوار حسب مقتضى الحاجة ومصلحة المجموعة. وما عزوف القارئ عن الصحف إلا لهذه العلل، وما هجرة الأقلام السعودية لصحف في البلدان المجاورة إلا لهذه الأسباب فوق الأسباب المادية.
الأدباء في الصحافة غلطة أو تعديل مسار:
من الضروري دخول الأدباء المثقفين معترك الصحافة، والصحفيين معترك الثقافة فكلاهما غصن لنفس الجذع، فالمتعة والجرأة والتهور والبساطة غذاء الصحافة، وهذا في مصلحة المشهد الثقافي فلا تبدو الثقافة بعيدة عن الأحداث ولا تبدو الصحافة هشة أمام جملة أحداثٍ لا تعرف كيف تتحمل مسؤوليتها وتعبر عنها، بشرط مراعاة اختيار الأنسب للحصول على الصحفي المتميز القادر على التحليل فليس كل المتاح ضامن للنجاح، وانتصار للصحافة.
دور الصحافة الحرّة:
الصحافة لا تموت وهي تشبه الطاقة في تعريفها « لا تفنى ولا تستحدث من العدم بل تتحول من شكل إلى آخر» وفق مقتضيات عصرها.
لنفرض أنّ الصحافة تجاوزت معضلاتها سالفة الذكر، وعالجت وضعها فدورها عندئذ يتمثل في خدمة المواطن والركض من أجل مصالحه وتسليط الضوء على حقوقه، حقه من المؤسسات العامة والخاصة، وتشكيل وعي الشارع والحالة الثقافية لدى العامة، ولا تتورّع في نشر المعلومة الحقيقية المفيدة سواء كانت متوافقة مع النسيج الاجتماعي أو غير متوافقة فهي مرآة الحقيقة للحكومة والشعب. عندها لن نرى من يتوسل في مواقع التواصل الاجتماعي الجهات الحكومية والأفراد للعلاج أو التدخل للحكم في المظالم، فالصحفي بحث واجتهد وكل المعلومات المطلوبة مدوّنة في الصحيفة على مرأى الجميع تنتظر تحقيق الجهة المنوط بها البت في الحالة أو القضية.
لا أود الاستطراد فمسألة الصحافة ذات أبعاد عديدة لكن العقيرة ترتفع بسؤال: أين الصحافة من الريادة في خدمة المواطن؟!.