د. عبد الله المعيلي
صنائع المعروف من شيم الرجال الكرام، وصانع المعروف لا ينتظر حتمًا جزاءً ولا شكورًا ممن صنع له معروفًا، مهما كانت منزلته ومكانته، مالية كانت أم اجتماعية أو فكرية وغيرها، فالمرء مهما كانت قدراته وإمكاناته، لا يمكن أن يستغني عن محيطه الاجتماعي والاستعانة بمن يساعده في معالجة موقف أو حل مشكلة، أو شفاعة تزكي ما قد يكون خافيًا من سيرته، تعزز مكانته، وحصوله على مركز أو علاج أو إنهاء معاملة أو غيرها من مقتضيات متطلبات الحياة والعلاقة بالآخرين، أو نصيحة تعينه على أنسب الحلول لموقف ضاقت به الدنيا كيف الخلاص منه، أو ضرر لحق بغيره بسببه.
قال تعالى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَة حَسَنَة يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَة سَيِّئَة يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} (85 سورة النساء)، وقال صلى الله عليه وسلم (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)، إذن الشفاعة الحسنة ليست منة من الشافع، بل موقف يؤجر عليه وله فيه نصيب من الفضل والحسنات، وهي عكس من يشفع شفاعة سيئة تتسبب في إيذاء أحد أو ظلمه، بل لا يسلم من أن يلحقه كفل منها.
وهناك أبيات من الشعر ما زالت عالقة في الذاكرة راسخة، نظرًا لما يحويه مضمونها من جمال في المبنى، وصدق في المعنى، الكل يحفظها ويرددها باعتبارها مراجع فكرية يستدل بها، ويستعين بها المرء في تسيير الحياة وبناء مجتمع متعاون متعاضد، وبهذا تسود العلاقات الاجتماعية المحبة والتآلف بين الناس.
يقول أبو العلا المعري:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
هذه سنة الحياة، ولا غضاضة في ذلك، المرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ولا يمكن بحال أن يعيش أحد بمعزل عن محيطه الاجتماعي، فقد تضطره ظروف الحياة أن يستعين بصديق أو قريب أو بذي مكانة، للمساعدة في قضاء حاجة من حوائج الدنيا، وهذا أمر طبعي لا مشاحة فيه ولا غضاضة، بل هو أمر مأمور به الإنسان ويؤجر عليه.
من الأقوال المشهورة: مهما كانت وجاهة المرء وقدرته وعلاقاته فهو «قليل بنفسه، كثير بإخوانه، لا يستغني عنهم أبدًا، ولا يمكن أن يعيش مستمتعًا بالحياة وهو بمنعزل عن بني جنسه، يسعد لرؤيتهم، وقضاء حوائجهم.
وكرام الرجال يفرحون بهذا، ويبادرون لإعانة إخوانهم، بكل ما يستطيعون من جهد وجاهٍ، ويقابل جهدهم من الأوفياء بالشكر والثناء والعرفان بفضلهم، وهذا هو الأصل المتواتر عند جلّ الناس، عدا هذا فأمر خارج عن طبائع البشر.
ومع هذا قد يشذ أحد ما في حالة عدم استطاعة الشافع، وينسى فضله، ويتعرض إلى هجوم وهجران وسب في المجالس، ويقاطع ويوصف بأوصاف لا تليق.
هؤلاء خسارتهم أولى من اعتبارهم أصدقاء، ففي خسارتهم ربح وفائدة.