د.موسى بن عيسى العويس
* في خطوة إصلاحية بناءة، كانت منتظرة، عادت المرأة العربية، وبالذات السعودية، إلى المشهد من جديد؛ لتقوم بجزء من مهامها، مستنفرة كل طاقاتها، ومواهبها، وقدراتها، وإمكاناتها الذاتية، متكئة في ذلك على إرث ثقافي وتاريخي عظيم، وعلى قيم ومبادئ دينية واجتماعية متجذرة، لا تقبل المساومة.
* جاء التوجيه الملكي بتمكين المرأة السعودية المتسلحة بسلاح العلم والمعرفة من ممارسة حقوقها في طلب بعض الخدمات العامة، وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. جاء ذلك التوجيه الكريم لتلبية ظروف المرحلة من جهة، ولتستعيد المرأة صورتها التي ترسخت في بعض مراحل تاريخ العرب الجاهلي والإسلامي من جهة أخرى. والعرب أمة وسط، قبل الإسلام وبعده، في تعاملهم مع المرأة، لم ينجرفوا في رفعها أكثر مما تستحق، ولم يكن هناك إنزال لها من المكانة حتى الابتذال، فأُعطيت شيئًا من القدر، والحقوق، والأدوار، بوصفها أُمًّا، وزوجة، وأختًا. عُرف عن بعضهن أنهن ذات كمال، وذات وقار، وذات معرفة، تتمتع بمزيد من الفطنة والذكاء وبُعد الرأي، والإصابة في الحكم، وحسن التدبير، والفصل في الخصومة، إلى جانب التجلد أمام الأحداث، والصبر والصمود أمام المعضلات، والإصرار أمام جسام الأمور، وغير ذلك من السجايا والصفات والخصال الحميدة التي تستحق الوقوف والتأمل.
* لن آتي بجديد حين القول إن (بلقيس) امتطت صهوة الحكم في (اليمن)، وخلد قصتها (القرآن الكريم) مع نبينا (سليمان) عليه السلام كأروع تخليد. في عصرها استقرت بلاد (اليمن)، واستمتع أبناؤه بخيرات وفيرة. كان عندها من الحصافة في الرأي. ولم تكن (الزباء) ملكة تدمر وبلاد الشام وأجزاء من الجزيرة العربية تقل مكانة وحكمة ودهاء ومقدرة عن سابقتها. وفي تاريخ (مصر) القديم و(الرومان) نماذج كثيرة من الحاكمات اللاتي أثرن في مسيرة حضارة الشعوب التي وقعت تحت سلطتها. ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ فالمرأة في مواقف كثيرة حاكت الرجل في المشي، والزي، واللباس.. وكم من الحروب شمرن فيها عن سواعدهن، وحملن السيوف والتروس، وكم داوين المرضى، وكم أجرن من مستجير، ولم ينكر عليهن، بل كان المدح لهن، والثناء عليهن، والذكر لهم في أندية القوم ومجالسهم، وربما تمثلوا ببعض أقوالهن، ومواقفهن، وحكمهن.
* من عهد الصحابة والتابعين يحتفظ التاريخ المجيد بسير ذاتية لمجموعة غير قليلة من النساء، كانت لهن مكانتهن، من تلك (هند بنت الخس الإيادية) التي كان العرب يتحاكمون إليها فيما يقع بينهم من خلاف. (وهند بنت النعمان بن المنذر) اشتهرت بقوة الحجة والعارضة، وحضور البديهة، والشجاعة المتناهية أمام زوجها (الحجاج بن يوسف الثقفي). ومن تلك كذلك (هند بنت عتبة) التي اشتهرت (بآكلة الأكباد)، واجتمعت فيها الجرأة، والثقة، والحزم.
* هذه عينة من نساء كثر، فلا يمكن - والحالة هذه - أن نلتفت إلى المشككين بالقدرات، أو الدور المرتقب من المرأة، ولا أمام أولئك النفر القليل ممن يطرحون الأشواك في كل خطوة تخطوها، أو يشككون في الحصانة، والرزانة، والعفة التي تستلهمها المرأة من تعاليم الدين الإسلامي، وأعراف وتقاليد هذا المجتمع الطموح، المتجدد في طرحه وفكره وثقافته. إذن سيظل الطموح في داخلها، لن يفتر، ولن يتوقف، طالما أنها في ظل قيادة تقدر دورها، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً.