يوسف المحيميد
كنت محظوظًا أن حضرت افتتاح معرض روائع آثار المملكة في العاصمة الكورية سيئول، والذي افتتحه الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني، بمشاركة وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ورئيس مجلس إدارة أرامكو المهندس خالد الفالح، وعدد كبير من المسؤولين في كوريا، وجمهور كبير ومهتم بالاطلاع على حضارة هذه البلاد التي قد لا يُعرف عنها الكثير، رغم ما تحتضنه أرضها العريقة من حضارات ضاربة في القدم.
وأقول بكل ثقة أنني تفاجأت أكثر من الشعب الكوري، ومن شعوب دول العالم التي طاف فيها المعرض من قبل، وأجزم أن كثيرا من السعوديين سيرون صورة أرضهم وآجدادهم بشكل مختلف، في مراحل ما قبل الإسلام، وحتى بعد الإسلام، سواء من خلال التماثيل الضخمة لحضارات قديمة، وأدواتهم وملابسهم وأونيهم، أو من خلال شواهد القبور في مراحل إسلامية متنوعة، فتاريخنا وآثارنا كانت جديرة بالعرض أمام العالم، وأيضًا جديرة بالعرض أمامنا نحن، أمام أجيالنا الشابة الجديدة، هؤلاء الممتلئين شغفا بالمعرفة، فهم أولى من غيرهم بالاطلاع على هذه الكنوز.
نحن بهذا المعرض المتنقل نقول للعالم، أننا لسنا بلدًا نفطيًا فحسب، لسنا خزان العالم للطاقة فحسب، لا نملك فقط ما يضيء العالم بالكهرباء، وإنما نملك ما يضيء تاريخ العالم بالمعرفة وكشف أسرار آثار الإنسان القديم، وستكتمل قيمة وأهمية ما نمتلكه آيضًا، وتعود علينا بخير عظيم، حينما نضع هذه الكنوز في متحف كبير ولافت داخل الوطن، ونفتح بلادنا بكل الحب والتسامح وكرم الضيافة العربية لجميع سياح العالم، ونفتح لهم قلوبنا قبل ثقافتنا وتاريخنا العظيم وبيوتنا الجميلة.
أتخيل كيف يضيء هذا المتحف سماء الرياض، كيف يرتاده طلاب وطالبات التعليم العام، وطلاب الجامعات، من مختلف مدن المملكة، كيف تُجرى بحوث الدراسات العليا على محتوياته ومقتنياته، كيف يضعه السائح على قائمة أولويات المعالم في المدينة التي سيزورها، كيف نصنع بيئة سياحية صحية وجاذبة، كيف تصبح السياحة لدينا صناعة مهمة، تسهم في تنويع مصادر الدخل، وكيف يؤثر ذلك على الناتج المحلي الإجمالي... كل ذلك نحن بحاجة إليه، وجاهزون كمواطنين لاستقباله ودعمه بكل ما نملك ونستطيع.
يجب أن ندرك أن السياحة الحقيقية هي المعالم المهمة في البلدان، وأولها المتاحف المتنوعة، التي كلما زادت أعدادها في مدينة عنى ذلك ثقافتها وعمقها التاريخي، فنحن بحاجة إلى متحف الحضارات القديمة (ما قبل الإسلام)، ومتحف إسلامي، ومتحف للفن التشكيلي الحديث، ومتحف للموسيقى، ومتحف لصناعة البترول التي نتميز بها عن العالم كله، يتيح لنا استعراض تجربتنا الطويلة في هذا المجال... وغير ذلك، فهذا ما يخلق تميزنا واختلافنا، وينقلنا سريعًا إلى آفاق رؤية جديدة.