خالد بن حمد المالك
فخامة الرئيس ترامب
تحياتي واحترامي وبعد:
يقوم سيادتكم قريباً بزيارة للمملكة العربية السعودية، في أول ظهور خارجي لكم بعد تنصيبكم رئيساً للولايات المتحدة، في سابقة تنسجم مع المفاجآت المثيرة لمواقفكم الشجاعة، بما لم يفكر بذلك زعيم أمريكي من قبل، أو يخطر ببال أحد، مفضلاً أن تبدأ الرحلة الأولى إلى الرياض، على غير ما كان يفعله الرؤساء الذين سبقوكم إلى دخول البيت الأبيض، وهو تصرف ذكي وحاذق، وله دلالاته المباشرة وغير المباشرة، وينم عن عقلية قيادية غير عادية، وعن زعامة تاريخية تحسن قراءة الواقع، وملامسة القضايا المهمة، والبحث عن حل لها.
* *
تأتون يا فخامة الرئيس إلى الرياض، إلى زعامة العالم الإسلامي والعربي، إلى قلب العروبة والإسلام النابض، في حدث له ما له من الأهمية، فتلتقون بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبأشقائه زعماء دول مجلس التعاون، والزعماء العرب، وبإخوانه زعماء الدول الإسلامية، في تظاهرة سياسية غير مسبوقة، ولم تحدث هي الأخرى من قبل، وكل هؤلاء القادة من ملوك وأمراء ورؤساء دول يثمنون هذه الخطوة لكم ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ويتطلعون من الزيارة إلى توافقات بينكم وبينهم، وإلى نتائج تنهي الإرهاب الذي يضرب المنطقة والعالم بقوة، وإلى تعاون صادق في إيجاد حل للقضايا العالقة.
* *
فزيارتكم يا فخامة الرئيس لا نريدها زيارة مجاملة، أو لقاءات (بروتوكولية) ولا يكفينا منها أن تكون هناك اتفاقات يكتفى بها على الورق دون تنفيذ، أو تفعيل على نحو ضعيف لا يحقق الهدف من اجتماعكم الموسع بكل هؤلاء القادة الذين لبوا الدعوة، وحرصوا على الاجتماع، وسوف يأتون بصدور مفتوحة لتقبل ما يتفق الجميع عليه لخدمة السلام والاستقرار في منطقتنا وفي العالم، بعد سنوات من المعاناة من عدم الاستقرار، ومن تفشي الإرهاب، ومن عجز العالم في السيطرة عليه، وتركه ومن يدعمه ويؤويه طلقاء دون محاسبة.
* *
فخامة الرئيس
اسمح لي أن أقول: إن مفتاح السلام والاستقرار، والقضاء على الإرهاب، وتوفير مظلة آمنة لكل شعوب العالم، إنما يأتي من حل النزاع في الشرق الأوسط، بإنهاء الأزمة الفلسطينية - الإسرائيلية المستعصية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وما تم الاتفاق عليه بإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وحل ما يعيق ذلك وفق المبادرة العربية التي قبل بها العرب جميعاً في واحدة من أهم مؤتمرات القمة العربية التي عقدت في بيروت.
* *
إن أي حل للخروج من نفق الإرهاب، لن يتحقق ما لم يُحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، فهذه القضية استخدمها الإرهابيون من الطرفين للاغتيالات، وإحداث الفوضى، وزرع الفتن، وخلق أجواء متوترة في منطقتنا، وتالياً امتدت إلى خارج المنطقة، دون أن يكون هناك تفكير جدي لحل هذه المشكلة، أو عمل يحول دون هذه المزايدات باسم القضية الفلسطينية من العرب والمسلمين، ومن الجانب الإسرائيلي باسم أن حل الدولتين يعرض مستقبل إسرائيل للخطر وربما للزوال، بينما - كما يعرف فخامتكم - فإن الفلسطينيين ومعهم العرب والمسلمون لا يطالبون اليوم بأكثر من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م لإقامة دولتهم وعاصمتها القدس إلى جانب الدولة الإسرائيلية بحدود ما قبل 1967م، وهو ما يرفضه المتطرفون من الجانبين.
* *
فخامة الرئيس
لا أريد أن أتوسع كثيراً في هذه الرسالة، غير أني لا أستطيع أن أفرّغها من حديث مهم عن المفاعل النووي الإيراني، وما تم الاتفاق عليه مع النظام الإيراني من مقايضته بالتأجيل مقابل الإفراج عن الأرصدة الإيرانية في البنوك العالمية، وقبول التعاون معها اقتصادياً وسياسياً، ما شكَّل مخاوف لدى دول المنطقة - دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً - وجعل من التسلط الإيراني يمر عبر هذا التعاون الدولي المرن دون النظر إلى تدخل إيران في شؤون الدول العربية، وتهديدها للسلام والاستقرار في المنطقة، الأمر الذي يجعلنا نطمئن على أن زيارتكم للمملكة واجتماعكم بالملك سلمان وبقية القادة العرب والمسلمين سوف تكون أحد ملفاتها المهمة بحث ما يشكِّله نظام إيران من تهديد لأمن المنطقة، وتشجيع للإرهاب، ودعم للتطرف، ما جعل منطقتنا على هذا النحو من عدم الاستقرار، وعرّضها للأعمال الإرهابية، فيما بقيت إيران - الراعية الأولى للإرهاب - في مأمن من هذه العمليات، إذ لم يمسها الإرهابيون ولو في عملية إرهابية واحدة، بينما مست التفجيرات كثيراً من دول العالم، وبينها الدول الأوروبية، والمملكة العربية السعودية وغيرها.
* *
فخامة الرئيس
هناك ملفات كثيرة تنتظر زيارتكم للرياض، بعضها ثنائية مع حليفة بلادكم التاريخية المملكة العربية السعودية، وبعضها عربية أمريكية، وأخرى إسلامية أمريكية، لكنها في مجملها يجمعها قاسم مشترك، هو الاقتصاد الذي يحرص الجميع على تعافيه، وعلى الأمن والاستقرار الذي لن يتحقق ما لم يتعاون الجميع لتأمينه بالقضاء على التطرف والإرهاب، وهكذا بقية المواضيع التي ربما اتسع وقتكم لمزيد من التعرف عليها من الطرف الآخر، وترك ما لم يتم الاتفاق عليه استكمال مناقشته للوزراء والمستشارين المعنيين بها من الجانبين، وكل هذا لا يلغي وإنما يبقي الأهمية للقضية الفلسطينية التي أصبحت تراوح مكانها، بينما يظل الشعب الفلسطيني إما مشرداً في أصقاع الدنيا، أو تحت الاحتلال الإسرائيلي يعاني ما يعانيه من الحرمان من أي حقوق لهم كمواطنين.
* *
أهلاً بك فخامة الرئيس، إذ تزور الرياض، وتعطيها حقها وتاريخها كدولة صديقة للولايات المتحدة الأمريكية، وتمنحها وملكها وشعبها هذا الشرف الكبير بأن تجمعكم بكل هؤلاء القادة العرب والمسلمين تحت سقف واحد، لبحث ما استعصى على سلفكم وغيره بحثه، وإنجاز ما بقي معلقاً إلى اليوم من قضايا تمس مصالحكم ومن تجتمعون بهم، وتمتد إلى جميع دول العالم، وسوف يسجل هذا الموقف النبيل لكم كواحد من زعماء الولايات المتحدة الأمريكية والعالم التاريخيين، فالعالم ينتظر منكم وممن تجتمعون بهم في الرياض مواقف شجاعة في قضايا كثيرة إلى جانب ما أشرنا إليه، وأعني به ما يجري في سوريا، واليمن، وليبيا، وكذلك التعاطي بحزم مع الدور الإيراني في إشعال الفتن، وتشجيع الإرهاب، والتدخل في شؤون الدول الأخرى كلبنان والبحرين والعراق وغيرها، وإيواء الإرهابيين وتمويلهم، بما لم يعد خافياً أو به مجال شك.
حفظكم الله، وأعانكم، وحقق على يديكم وفي عهدكم ما عجز عنه غيركم.