«الجزيرة» - الاقتصاد:
دشَّن مركز الملك سلمان للشباب، استراتيجيته الخمسية خلال ملتقى «الشباب والفرص في رؤية 2030»، بحضور عدد من أصحاب المعالي والمسؤولين والمتخصصين من قطاعات مختلفة. واستعرض الملتقى الذي احتضنه «مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية» بالرياض «رؤية 2030» بقوالب وعروض تفاعلية، بسطت مفاهيم الرؤية وأهدافها، وتناولت فرص وأدوار الشباب في تحقيقها.
وفي جلسة خُصصت لحوار مفتوح بين المسؤولين والشباب، شارك فيها وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي، ووزير المالية محمد الجدعان، قال القصبي: «إن الرؤية جاءت بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - مقاليد الحكم، وحرصه على تفعيل أداء الأجهزة الحكومية؛ فهناك تحديات تواجهنا. الحكومات هدفها الاستدامة، ونحتاج إلى أن نتخلص من البيروقراطية. وقدرات الأجهزة الحكومية لم تتطور عبر السنين بالشكل المطلوب لعدم وجود الممكنات بشكل متفاوت».
وأضاف: «نريد اقتصادًا قويًّا مستدامًا. لا يمكننا الاعتماد على النفط، ولا يمكن للحكومة أن تبقى متفرجة.. لا بد لها أن تبادر. لدينا ثروات كبيرة، الحرمان الشريفان، النفط، المعادن، ورأس المال البشري.. إذا زاوجنا بين رأس المال البشري وهذه الثروات فسنجد اقتصادًا قويًّا مستدامًا».
وأوضح القصبي في إجاباته عن تساؤلات الشباب حول رؤية 2030 أن «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» هو من حدد «رؤية المملكة 2030» وأهدافها، وليس الشركات الاستشارية التي لم يتجاوز دورها تقديم المشورة حول الإطار العام.. قائلاً: «هناك فرق كبير بين الإطار العام وتحديد الرؤية وأهدافها».
وبدوره، أكد وزير المالية محمد الجدعان أن المملكة تستطيع أن تكون قوة استثمارية رائدة، وصندوق الاستثمارات العامة سيكون الأقوى عالميًّا، وهو الممكن الرئيسي لتحقيق أهداف الرؤية، والمحفز للتنويع الاقتصادي وتنويع الدخل.
وقال: «لو تحدثنا عن وزارة المالية فإن أحد مستهدفاتها في برنامج التحول الوطني هو التوازن المالي؛ لكي تعادل إيرادات الدولة أو تزيد على مصروفاتها، عن طريق القضاء على الهدر، ورفع كفاءة تحصيل الإيرادات». وفي نقاشه مع الشباب حول برامج رؤية 2030 أوضح وزير المالية أن الدولة ملتزمة بتوفير الخدمات الأساسية للجميع: الأمن، التعليم، وغيرهما من الخدمات الأساسية.
من جانبه، أفاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحة بأن التحول الرقمي في «رؤية 2030» ينطلق من محورين أساسيين، أولهما أجندة رقمية، تسرع الوصول إلى الطموح من خلال الدمج بين المجتمعين الحيوي والرقمي؛ ليظهر لنا في الأخير مجتمع به عناصر ثلاثة، هي (التفاعل، التشارك والانتماء). وثانيهما «اقتصاد رقمي».
ولفت إلى أن «هناك ثلاثة عناصر ممكنة للتحول الرقمي، هي (الإنترنت والنطاق العريض، المحتوى والقدرات، إلى جانب الأمن الرقمي)». شارحًا العديد من المبادرات الطموحة التي استقبلها مع بداية استلامه حقيبته الوزارية، مشددًا في الوقت نفسه على أن القواسم المشتركة بهذه المبادرات أنها أتت من شباب، وكلها تطوعية، وجميعها تركز على تحويل التحديات إلى فرص.
وأشار إلى أن دور وزارته هو «إيجاد بيئة تحفز على الشفافية والجودة بين المشرع والمزودين ومستقبلي الخدمة».
وكان الملتقى قد قدم في انطلاقته فيلمًا تعريفيًّا عن مركز الملك سلمان للشباب، قبل أن تنطلق جلسته الأولى التي تناولت تعريف الرؤية وشرحها وتبسيطها، وشدَّد فيها مدير جامعة الباحة الدكتور نبيل كوشك على أهمية وجود رؤية لكل الدول، وأن تكون ذات قيم متحققة؛ لكي تتمكن من تحقيقها، وأن ترتكز على أسس متينة، وهذا ما ينطبق على «رؤية المملكة 2030» التي يتوافر بها العمق العربي والإسلامي للمملكة، وموقعها الجغرافي وقوتها الاستثمارية الرائدة.
بينما أوضحت عضو مجلس إدارة هيئة الترفيه الدكتورة لمى السليمان أن الرؤية بُنيت على مجتمع حيوي، يقوم على القيم التي يفخر بها كل مواطن؛ فهناك الأصول العربية ومنبع الإسلام؛ ما يستلزم صناعة بيئة مبنية على السعادة والطموح، تكمن في الأمور الثقافية أو الترفيهية.. فمتى ارتفعت نسبة السعادة أصبح لدينا مجتمع حيوي.
وفي حديثه عن التجارب الدولية الناجحة في التنمية شدَّد المستشار في الإعلام والعلاقات العامة الدكتور إبراهيم البعيز على أن «التجارب الناجحة في التنمية حول العالم لم تكن لتنجح لولا اقتناع وإيمان شعوب تلك الدول بهذه الخطط». موضحًا أن «رؤية المملكة 2030» تتوافر بها كل مقومات النجاح؛ «فالمملكة لها ثقلها الاقتصادي، وهي إحدى دول مجموعة العشرين، الأكبر اقتصادًا في العالم. أيضًا لها ثقلها السياسي؛ وأقرب مثال على ذلك اختيار الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب المملكة وجهة أولى خارجية له، إلى جانب ثقلها الإسلامي والثقافي باعتبارها قبلة المسلمين».
ونوه في حديثه عن التجارب الدولية الناجحة بأن «التعليم هو الركيزة الأساسية في نجاح الأمم؛ فإذا أردت أن تطور الإنسان فينبغي أن توفر له تعليمًا جيدًا، يتوافر به عناصر ثلاثة أساسية: المعارف، المهارات ومجموعة من القيم». موضحًا أن هذين الأخيرين «هما ما ركزت عليهما رؤية المملكة 2030، إلى جانب المعارف، العنصر الذي كان التعليم في المملكة يركز عليه دون غيره». وختم حديثه إلى الشباب بقوله: «رؤية 2030 لا تعدكم بالمستقبل، بل تعد المستقبل بكم».
ولمس الحضور من خلال هذا المحور الزخم الكبير الذي تشهده المملكة مع الرؤية في مختلف المجالات، بتنويع اهتماماتها الاقتصادية ومداخيلها، وإنشاء مشاريع تنموية ضخمة؛ إذ برز حجم الدور والقيمة النوعية لشباب هذا الوطن، ودورهم المنتظر في اقتناص الفرص المتنوعة في «رؤية 2030».
وفي الجلسة الثانية قال رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الأثرية الدكتور محمد العتيبي إن الجزيرة العربية مليئة بالحضارات منذ آلاف السنين، و»هذه البلاد لعبت وستلعب دورًا مهمًّا في الحضارات، وهي حجر الزاوية في التجارة الدولية عبر مر التاريخ، وأسهمت طرقها التجارية في نقل الحضارة في شتى بقاع الأرض. والطرق التجارية في المملكة تعتبر الشريان الحيوي الذي نقل التجارة والحضارة، وهي حجر الزاوية في الهوية الإسلامية والعربية».
وتحدث كل من أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار، والشيخ صالح المغامسي، والدكتور عيد اليحيى، عبر فيديوهات مصورة، عن خدمة ضيوف الرحمن وكرم الضيافة وحسن الوفادة للحجاج، وأكدوا أنه منذ القدم يتسابق سكان مكة والمدينة على خدمة الحجاج، منوهين بأن سكان الجزيرة العربية نشروا الإسلام، وطوروا العلم، وأن تاريخ الجزيرة لم ينقطع، والإسلام أكمله وأقامه عقب اعوجاج. بينما تحدث وكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الدكتور سالم الديني عن العمل التطوعي، وفرصه ونشاطاته في «رؤية المملكة 2030»، مشيرًا إلى أن السعوديين مقبلون على نقلة نوعية في التطوع عبر القطاع غير الربحي.
وفي جلسة حوارية تحدث الرئيس التنفيذي لشركة جبل عمر للتطوير ياسر الشريف، والكاتب الاقتصادي فضل البوعينين، عن الفرص الواعدة في زيادة عدد المعتمرين من 8 ملايين إلى 30 مليون معتمر، وأكدا أن الحج والعمرة فيهما ثروة، قد توازي أو تفوق عوائد النفط، وهي صناعة تقوم على سواعد الشباب بالدرجة الأولى. فيما سلط المستشار في صندوق الاستثمارات العامة عبدالله بن زرعة الضوء على الفرص الواعدة في خطط توطين الصناعات العسكرية، وقال إن المملكة تأتي كثالث أكبر منفق على القطاع العسكري بعد أمريكا والصين، بنمو 10 في المائة سنويًّا خلال آخر خمس سنوات.
وتابع: رغم الجهود المبذولة في هذا القطاع إلا أننا لم نصنع سوى 2 في المئة من احتياجنا؛ ولذلك جاءت الرؤية، ونصت في أهم عناصرها على توطين إنفاقنا العسكري، ورفع نسبة التوطين فيه. لافتًا النظر إلى أن الفرص في القطاعات العسكرية وظيفية واستثمارية.
وفي المحور الرابع تحدث كل من رئيس هيئة النقل العام الدكتور رميح الرميح، والمدير العام للجمارك أحمد الحقباني، والمدير العام للشؤون التجارية والدولية في مجموعة الزامل القابضة مساعد الزامل، والرئيس التنفيذي لمجموعة الطيار عبدالله الداود، عن أهمية استغلال الموقع الجغرافي للمملكة كمنصة لوجستية لربط القارات، وحجم الفرص والاستثمارات الكبيرة في هذا المجال.
بعد ذلك تناول المدير العام المكلف للمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة حسام المدني أبرز مفاهيم قياس الأداء، والشفافية والحوكمة في «رؤية 2030»، وكشف في حديثه عن إطلاق منصة رقمية عبر تطبيقات إلكترونية، تتيح لأي مواطن تقييم الخدمات التي يحصل عليها في أي منشأة أو وزارة، وبيان مدى رضاه عن الخدمات المقدمة.
وأضاف بأن المركز سيطلق حملة لتعليم المواطنين كيفية تقييم أداء المؤسسات الحكومية والارتقاء بها.
وفي ختام الملتقى أعلن مركز الملك سلمان للشباب برامج شراكة مع الجامعات لتبسيط رؤية 2030، وتنظيم ملتقى شبابي سنوي لمدة 5 سنوات ضمن مبادرات ملتقى الشباب والفرص في رؤية 2030، وأن يحمل الملتقى في كل عام عنوانًا مختلفًا، يصاحبه أنشطة وبرامج مستمرة طوال العام موزعة على مدن ومناطق المملكة، من خلال برامج وفعاليات وورش عمل متنوعة مع قطاعات وجهات عدة.
وقال المدير التنفيذي لمركز الملك سلمان للشباب رئيس اللجنة المنظمة لملتقى الشباب والفرص في رؤية 2030 هاني بن مقبل المقبل: «يمثل الملتقى باكورة مبادرة وطنية، تبناها مركز الملك سلمان للشباب انطلاقًا من دوره القيادي والريادي في دعم الشباب وتمكينهم». مشيرًا إلى أن الملتقى استهدف تعميق إيمان الشباب بمشاريع بلادهم، وتعظيم قيمة الوطن لديهم، وحثهم على البحث عن الفرص الكبيرة في رؤية 2030.
وأضاف: «المحتوى الذي قُدّم في هذا الملتقى لعب دورًا تحفيزيًّا مهمًّا في الربط المعرفي بين الشباب وبرامج الرؤية، من خلال ما شهدته الجلسات من نقاشات حول برامج الرؤية ومبادراتها المتنوعة».
وبيَّن المقبل أن هذا الملتقى هو تدشين لمنتجات معرفية متنوعة، سيتم طرحها بالشراكة مع الجامعات، على أن يكون ذلك خلال كامل مدة المشروع المقررة بخمس سنوات. وعد في تصريحه أن «المركز يضع كامل إمكاناته وخبراته في سبيل دعم وإلهام وتمكين الشباب؛ وبالتالي فإن ما تحقق خلال الملتقى والحضور الوزاري يعطي مسؤولية نعرفها ونعيها في مستقبل المشروع».