أ.د.عثمان بن صالح العامر
أمس الاثنين 15 مايو هو اليوم العالمي للأسرة، ومن نافلة القول في هذا المقام، الاهتمام الكبير الذي توليه الشرائع السماوية والأيديولوجيات الوضعية والقوانين العالمية عامة والشريعة الإسلامية الغراء على وجه الخصوص بالأُسرة منذ ميلادها، وعند تعاظمها وكثرة فروعها، وحتى بعد اندثارها وفنائها وانقطاع تسلسلها لأي سبب من الأسباب، ولكن ترى ما نصيب الواقع العربي اليوم من هذا الزخم النظري الضخم الذي لا يخفى على أحد؟
للأسف الشديد أن الأسرة العربية تعيش اليوم أسوأ مرحلة تاريخية مرت بها على الإطلاق، فالأب العراقي مثلاً أو السوري أو الفلسطيني أو ... إذا لم يكن ميتاً أو مسجوناً أو مريضاً مقعداً، فهو إما في أرض الشتات أو ببلاد المهجر أو على خط النار في الصفوف الأولى لمعركة الحرق، والبنات والأم في المخيمات يعشن على فتات المساعدات، والأبناء - حتى الصغار منهم - في أرض المعركة التي لا يُعلم متى ستكتب لها النهاية، والسعيد منهم من نفذ بنفسه إلى البلاد القريبة فصار يتسول الناس أعطوه أو منعوه.
مشهد تفاصيله موجعة، وحقيقته مؤلمة ، ومستقبله مظلم غالباً، إذ لا يبدو في الأفق بصيص أمل لعودة الأسرة العربية إلى وحدتها المفقودة جراء الحروب التي استنزفت وفتكت وشردت، وما زال في الحكاية فصول مأساوية لن ينساها التاريخ، سواء في أرض الشام أو بلاد الرافدين أو على ثرى فلسطين الحبيبة أو ...
إننا أفراد الأسرة السعودية نعيش نعمة عظيمة لا تقدّر بثمن، فلا الحروب -لا سمح الله- فرّقتنا، ولا البحث عن لقمة العيش أبعدنا عن ديارنا، ولا الخوف.. ولا الجوع.. ولا الأمراض والأوبئة.. ولا الاستبداد والديكتاتورية.. ولا الانحلال والتفسخ.. ولا... حتى وإنْ بعد الابن أو البنت لطلب العلم في أي بلد من العالم، يجد العناية والرعاية التامة من قِبل قيادة بلادنا الحكيمة، إذ إنها تيسر له سبل العيش الهانئ والحياة الرغيدة حتى يعود وقد تسلح بالعلم وتزود بالمعرفة التخصصية، متواصل دائماً مع أسرته، ليس له ما يهمه هناك سوى دراسته، وحق هذه النعمة أن تُرعى ويشكر الله عز وجل عليها، وأن نسعى جادين جميعاً أن نصونها من الزوال، ولا يعني ذلك أنّ الأسرة السعودية المعاصرة مثالية في القيام بالدور المنوط بها شرعاً وعقلاً، ديناً وإنسانياً ووطنياً، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، إذ يعتري الجانبَ التربوي في نطاق الكيان الأسري خاصة كثير من جوانب القصور التي انعكست سلباً على مسارنا التنموي في جميع القطاعات، وربما في السنتين الأخيرتين أدرك الشباب والفتيات على حد سواء، أنّ التنشئة الأسرية لجلّهم لم تكن بالصورة التي شاركت مشاركة حقيقية، جنباً إلى جنب مع بقية المؤسسات الأخرى في صنعهم وإعدادهم لخوض غمار الحياة بنجاح، وهذا يوجب على ركني الأسرة السعودية (الزوج والزوجة) أن يشاركا محاضن التنشئة المعروفة في إعداد الأبناء والبنات لزمن غير زمنهم، وأن يولوا الجانب التربوي جل اهتمامهم منذ نعومة أظفار فلذات أكبادهم وحتى بعد بلوغهم الحلم، من أجل أن تكون هذه الذرية سواعد بناء وعوامل نهوض ونماء، مفاتيح خير مغاليق شر، فيسعدوا ويشاركوا في إسعاد غيرهم سواء داخل حدود أوطانهم أو خارجها. دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.