د. ناهد باشطح
فاصلة:
«لا أحد يدري ما يمكنه أن يعمل قبل أن يحاول»
(حكمة عالمية)
«ماري جينتيل» سافرت للهند لتدرس ليومين برنامجًا عن الأخلاق في الهند لرواد الأعمال والعاملين في كلية إدارة الأعمال.
كان هدف «ماري» أن يتوافر لدى رواد الأعمال المهارة للتصرف على نحو أخلاقي في العمل، لكنها فوجئت حين قال لها أحد المشاركين في برنامجها إنه سعيد بالاستماع إلى أفكارها عن القيم والأخلاق في محل العمل، لكنه في الهند - وهو رائد أعمال - لا يستطيع الحصول على رخصة قيادة دون رشوى!!
من هنا اكتشفت «ماري» وذكرت في مقالتها عبر نشرة مجلة هارفرد للأعمال أن فكرة تلقين الموظفين في العمل القوانين وقيم الشركة التي يعملون بها؛ لكي يمكنهم اتخاذ القرار بشكل صحيح في أي موقف ضاغط في العمل، ليست دائمًا مجدية. واكتشفت - كما أشار إلى ذلك المشارك الهندي في برنامجها - أن هناك ضغوطًا يقع تحتها الموظفون من السياق الثقافي الذين يعملون ضمن إطاره.
وقررت هذه السيدة المتخصصة في إدارة الأعمال أن هناك طرقًا أساسية لبناء بيئات عمل أخلاقية عبر الثقافات المختلفة، ولاسيما بعد أن بدأت تطبق برنامجها في الهند ونيجيريا وجنوب إفريقيا وغانا والقاهرة والإمارات العربية المتحدة وموسكو وكوستاريكا والأرجنتين والأورغواي وأستراليا وشتى أرجاء أوروبا.
الأخلاق في العمل لا تنفصل عن الأخلاق في الحياة، وليس صحيحًا أنك حين تمارس قيمك الأخلاقية فعليك أن تكون عدوانيًّا، وتحارب النسق الثقافي مثلاً، أو تتصادم معه.
الفكرة التي انتهجتها ماري تقوم على الإقرار بثقافة المجتمع مهما كانت، وعدم التصادم معها، وفي الوقت نفسه عدم التنازل عن تطبيق الأخلاق والقيم، ولكن بطرق أكثر ذكاء وأعمق في التطبيق؛ فالأمر لا يحتاج إلى شجاعة كما ذكرت، لكنه يحتاج إلى كفاءة.
لذلك فاستسلام الفرد إلى ثقافة مجتمعه القابلة -بلا شك- للتغيير لا يمكِّنه من تطبيق قيمه في العمل؛ وهو ما يجعله غير قادر على الإنتاج، وينشغل بالصراعات، بينما إذا أدرك أن الثقافة متغيرة وليست ثابتة، وتفهم سياق مجتمعه الثقافي دون أن يقبل بما ينافي قيمه، استطاع أن يكون متصالحًا مع قيمه في العمل وفي الحياة.