محمد آل الشيخ
تركي السديري العلم والرمز الوطني الكبير انتقل إلى رحمة الله بعد أن شارك بجهد لا يعرف الملل وشجاعة لا تعرف الخوف وإصرار لا يعرف التردد، وأمل لا يعرف اليأس، وإقدام لم يدخل إلى حساباته غير انتصار الوطن وهزيمة أعدائه في الداخل والخارج مهما كلفه الثمن. كان -رحمه الله- ورفيق دربه المرحوم «غازي القصيبي» من أهم وأجرأ وأقوى وأصلب من واجهوا ظاهرة التأسلم السياسي التي كانوا يسمونها زورًا وكذبًا وبهتانًا بالصحوة, وكانت مواجهته لها في بواكير نشأتها وانخداع كثيرين بها، لكنه، أدرك وهو المثقف الواعي القارئ المطلع، أن هذه الظاهرة الظلامية المغرقة في ظلاميتها لا يمكن أن تستمر، ومن الواجب على السعوديين قبل غيرهم مناهضتها ومقاومة ثقافتها، والوقوف في دربها، قبل أن تكون تكاليفها على الوطن وإنسان الوطن باهظة، ليس على المستوى التنموي فحسب، وإنما أيضا على مستوى الأمن والاستقرار؛ هذا ما قاله لي ذات مساء في مزرعته في الخرج، حيث دعا مجموعة من الكتاب والإعلاميين.. بهذه القناعة وهذا الوضوح، وهذا الحسم والحزم، حَدد تركي موقفه بوضوح، واعتبر نفسه بحكم رئاسته تحرير جريدة الرياض معنيا إعلاميا بتنفيذ هذه المهمة الوطنية. وواجه خلال مسيرته لمناهضة المتأسلمين المنافقين كثيرًا من الحملات والشتائم والسب والتشهير من قبل خفافيش الظلام آنذاك، وقيل فيه ما قيل، وشككوا في عقيدته، وحاولوا بكل الطرق والأساليب ثنيه عن موقفه الوطني، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا، واستمر تركي رئيسا لتحرير الرياض، وقلمًا لا ينضب حبره، ويقظة لا تعرف التثاؤب كما كان منذ البدء.
كان الصحويون في بداية الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي يملكون قوة وسطوة ونفوذًا ومساندة شعبية من العوام ومحدودي الثقافة وبعض سُذّج طلبة العلم، وكذلك الحركيين الحزبيين منهم، شكلت هذه العوامل مجتمعة على كل الإعلاميين، وأرباب القلم، ضغوطا وابتزازا، ما اضطر كثيرون منهم إما إلى مسايرتهم، أو ممالأتهم، أو التملق لهم نظير أملهم تحقيق مكاسب دنيوية يرمون إليها، سوى قلة قليلة، استمرت صامدة لا تعرف اليأس ولم يتسرب إليها القنوط، رغم قسوة نقد هؤلاء الصحويين، وقوة مراسهم، وحدة ألسنتهم، وقذارتها أحيانا؛ ومن أهم من وقفوا في وجه هؤلاء هذا الرمز الوطني الكبير.
ويشاء الله -جلت قدرته- أن يمد في عمر هذا العلم الإعلامي الوطني العظيم حتى شهد بأم عينيه أفول ظاهرة الصحوة المشؤومة، وانحسار رموزها إلى الصفوف الخلفية، وهو الذي أفنى الجزء الأخير من عمره -رحمه الله- في مناهضتها بقلمه وبتوجه جريدته الوطنية.
سيبقى تركي في تاريخنا الإعلامي الوطني صورة مخطوطة بحبر من ذهب، وناصعة البياض، ووطنية الانتماء، يرويها الأجيال للأجيال، ويحتذي حذوها إعلاميو وطننا الشرفاء في المستقبل، خاصة من لم يتلوثوا بأيديولوجيا غير أيدلوجيا حب الوطن، يرفعون راية الدفاع عنه، والذب عن حياضه، بإصرار لا يعرف الرضوخ ولا التراخي تماما كما كان تركي، وكان غازي، وأقرانهم.
نم قرير العين أيها الصديق الصدوق، فقد صنت الأمانة، وأديت الرسالة، وستبقى في تاريخنا ما بقي التاريخ أيها الطود الوطني الشامخ.
إلى اللقاء