يوسف المحيميد
حين وطأت قدمي صحيفة الرياض لأول مرة منتصف التسعينات، وصادفته في المصعد، ظننته متعاليًا، قبل أن أعرفه جيدًا، وأدرك مزاحه وقلب الطفل الذي يحمله، والتقدير الكبير الذي يكنه للمثقفين، وشغف الحوار معهم في الجوانب الثقافية والأحداث السياسية المستجدة، وإيمانه الكبير بطاقة الشباب ومنحهم كامل الفرصة للتعبير عن ذواتهم، ورؤاهم تجاه الحياة والواقع اليومي.
حينما عملت مع زميلي الصحفي المغربي إبراهيم إغلان على صفحة جديدة تجمع جماليات الصورة الفوتوغرافية مع النص الإبداعي، زارنا في القسم الثقافي، وقال بأن الصور التي نشرتموها للفنان الفوتوغرافي صالح العزاز، يرحمه الله، وهذه حقوق نشر لا يمكن تجاوزها، فاقترحت أن أنشر صورًا فوتوغرافية التقطتها بنفسي، ولأنه يؤمن بالشباب وبقدراتهم، ومنح الفرص لهم، وافق على ذلك، ومن تلك اللحظة انطلقت زاويتي التي اخترت لها اسم «فضاء البصر» في الملحق الثقافي كل يوم خميس، لمدة أربع سنوات تقريبًا.
كان حسه الصحفي عاليًا، وذائقته راقية، يدرك جيدًا متى يتحرك، لا يستكين في عمله الصحفي أبدًا، يحب التجديد والتطوير، أذكر كيف صنع خلية عمل دائمة عند التجديد في الصحيفة، وقبل صدور «الرياض2» التي جاءت كمبادرة مهمة قبيل صدور صحيفة «الوطن»، وقد كنت محظوظًا أن استدعاني بعد عودتي من بريطانيا لأكون أحد الأسماء التي اعتمد عليها في مرحلة التجديد المهمة.
لم يكن الراحل تركي السديري، رحمه الله، يمارس دور رئيس تحرير فحسب، وإنما كان إداريًا ذكيًا، ومطلعًا شغوفًا بكل جديد، يحب المعرفة، وينصت للآخرين بشكل رائع، قبل أن يتخذ قراراته بكل ثقة وجدية.
إن معظم من عمل في مدرسة السديري الصحفية، يدرك أن هذا الرجل الرائع لا يمكن أن يخذل أحدًا من رجاله وصحفييه، ومن يتعرض منهم إلى ضائقة أو مأزق، يقف معه بكل ما يملك ويستطيع، لأن يتعامل مع المؤسسة كبيت يجمعه مع أسرته من الصحفيين، وكان الجميع يشعرون بأنه أباهم الروحي، الذي لا يتخلى عنهم مهما صعبت المواقف وتعقدت، وعليهم جميعًا، بكل النبل والشهامة التي أغدقها عليهم، أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، وجنة عرضها السموات والأرض، اللهم اغفر له وارحمه، وأسكنه فسيح جناتك، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.