خالد بن حمد المالك
قبل وفاة صديق العمر، الزميل تركي السديري، بثلاثة أسابيع، كنت أزوره في منزله بحضور ابنه مازن، امتد اللقاء أكثر من نصف ساعة، واقتصر الحديث عن الذكريات والأيام الجميلة، واقتراح مني لقي استجابة منه لرحلة خاصة كتلك الرحلات التي كنا نقوم بها لبعض دول العالم، ولم أكن جاداً بهذا الاقتراح، ولكني أردت به أن يستعيد ذكرياته.
* *
في ذلك اللقاء الأخير اصطحبني الفقيد إلى حديقة المنزل، وهو بالمناسبة مغرم بالخضرة، بدليل أن مكتبه في مقر الصحيفة السابق بالملز كان عبارة عن مزرعة مغطى بالزهور والورود،
وما دمنا نتحدث عن الخضرة وعن الجمال فأذكر أننا كنا قبل ثلاثين عاماً في رحلة بالقطار بين فرنسا وبلجيكا، وكانت حافتا الطريق شديدتي الخضرة، كثيرتي الأزهار والنباتات الطبيعية، ما جعل تركي السديري يتنهد ويقول مداعباً وممازحاً: آه لو كان مدفني في بلادي في مثل هذه الطبيعة الخلابة.
* *
بعد جولتنا في حديقة المنزل، وتغنيه بها، ومن أنه سوف يواصل عنايته واهتمامه بها، وبما يجعلها دائمة الخضرة رغم قسوة الطبيعة، وشدة الحرارة، وظروف الطقس الذي لا يساعد على نمو النباتات، أخذني إلى خارج المنزل مودعاً الوداع الأخير، دون أن يُظهر أي ألم، أو نشعر منه بأي معاناة.
* *
بعد أقل من أسبوع من ذلك اللقاء، وفي اتصال بابنه مازن، عرفت أنه في اليوم الثاني من زيارتي استقر مقامه نهائياً بالمستشفى إلى أن مات، وأن حالته كانت حرجة, وأن الأطباء ليسوا متفائلين, وأن تلك العزيمة والإرادة التي يتمتع بها حبيبنا تركي لا تعطي صورة حقيقية عن حالته الصحية, ولا تعكس حقيقة ما يتوقعه الأطباء من نهاية حزينة لحياته.
* *
لقد كان تركي أكثر من صديق، وأكثر من أخ، وأكثر من زميل، بخلاف ما قد يتصوره البعض, وأن التنافس الحاد الذي كان بيننا كان يتمحور حول العمل, والسباق بيننا على ما يمكّن صحيفة كل منا لتتبوأ المراكز الأولى في التقييم والانتشار بين الصحف الأخرى.
* *
رحم الله رفيق العمر, الرجل الذي أحترم فيه فروسيته, كونه محارباً من أجل أن تكون هناك صحافة تقرأ وتحترم وتهاب، وهو بعض ما كان يمثل هاجس الفقيد الغالي تركي السديري .