الأوضاع الراهنة التي يعيشها ويشهدها عالمنا المعاصر من خطوط متشابكة ومصالح متعارضة وسياسات متضاربة يمكن القول أنها محصلة قرارات تدفعها توجهات متجانسة أو متضادة في دائرة التعامل والعلاقات بين مختلف دول العالم التي تشكل في مجملها المجتمع الدولي.. وأمام تلك الصورة الواقعية في أحداثها.. السريالية في تفسيرها وقراءتها، تأتي المملكة العربية السعودية نموذجاً متفرداً له خصوصية في النهج والقرار والانتماء.. النهج المرتكز على العقيدة الإسلامية في كل الأمور، واعتزاز أبناء الوطن بالانتماء الأصيل إليه، لتشكل جميعها أطر الكيان الشامخ الآمن وسط عالم يموج بالاضطراب.
وهذه الأسس والثوابت في نهج المملكة أكَّدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بقوله: «جميع الحقوق التي تسعى البشرية لها من إسعاد البشر ومن رفع مستوى المعيشة ومن التراحم بين الناس ومن الشورى ومن حفظ حقوق الإنسان من كل المقاييس والمعايير التي يدعيها ويقول بها الناس في هذا الزمان فهي محفوظة في كتاب الله وسنة رسوله».
وقوله أيضاً: «لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسّكاً بالشريعة الإسلامية الغراء، وحفاظاً على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها، وعملاً على مواصلة البناء وإكمال ما أسسه من سبقونا من ملوك هذه البلاد -رحمهم الله- وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها».
نعمة الأمن واعتزاز بالانتماء
ومن محصلة هذا النهج يأتي الأمن والأمان والاستقرار الذي تنعم به المملكة وهو أمر مازال العالم يبحث عنه وسط أنقاض الواقع المؤلم الذي يعيشه.. بينما تدرك البلاد الطيبة بقيادتها الحكيمة أن في شريعة الله عزها وأمنها واستقرارها.. وهذا ما يشهد به الحال بكل إشراقاته، ويجسد هذا الواقع النموذج ما أوضحه وأكده الملك المفدى في قوله -أيده الله -: «إن الأمن نعمة عظيمة وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وعلى الدوام أظهر المواطن السعودي استشعاراً كبيراً للمسؤولية، وشكل مع قيادته وحكومته سداً منيعاً أمام الحاقدين والطامعين، وأفشل -بعد توفيق الله- الكثير من المخططات التي تستهدف الوطن في شبابه ومقدراته. ونقول لأبنائنا وبناتنا ولكل من يقيم على أرضنا، إن الأمن مسؤولية الجميع، ولن نسمح لأحد أن يعبث بأمننا واستقرارنا».
وهذا النهج عندما يصبح له سمة الخصوصية فليس أقل من أن ينظر إليه العالم، لينصت إلى ما يقدمه الإسلام الحنيف من نموذج مثالي لكل زمان ومكان بالالتزام به وتطبيقه.. وليس أقل أن ينظر العالم كيف كان الأمن في الجزيرة العربية مطلباً.. وكيف أصبح حاله أمناً شاملاً واستقراراً ولنقرأ معاني هذه المبادئ الخيرة وأطرها من خلال حديث قائد هذه الأمة.. «إن هذا المكان بُدئ منه توحيد المملكة من خلال 63 فرداً، وجُمع الشعب، وكونت الوحدة في هذه البلاد على كتاب الله وسنة رسوله، وهذا، ولله الحمد، توفيق من الله للملك عبدالعزيز ورجاله؛ أن يوحدوا هذه البلاد، حتى أصبحت بلاداً موحدة تعتز بدينها وتعمل بكتاب الله وسنة رسوله».
وقوله أيضاً: «في اعتقادي لن يفلح من يريد إسقاطنا إلا عندما يفلح في إخراجنا وإبعادنا عن ديننا وعقيدتنا لذا لابد لنا من التمسك بالدين والعقيدة والدولة تفتح قلبها وأبوابها لكن من خرج عن رشده ثم عاد إلينا وقد أدرك الدرس وعرف الخطأ الذي وقع فيها».
البيت الخليجي نسيج واحد مستمر
ومن البيت السعودي إلى البيت الخليجي حيث تبقى أيام قليلة جداً وتنعقد القمة الخليجية الأمريكية يلتقي خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وقادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتوضيح مصالح المنطقة وهمومها المشتركة، وأيضاً لإبراز وجهة النظر الخليجية للإدارة الأمريكية الجديدة، بعد الإدارة الأمريكية السابقة المربكة وغير الواضحة.
ومن الماضي والحاضر يضع القادة الأشقاء في مجلس التعاون دائماً أسس وملامح المستقبل. فما زال أمامهم الكثير من الطموحات ويدفعون بمسيرة الخير بكل اطمئنان وثبات وفي يقينهم وعملهم دائماً أن المجلس وجد ليستمر بإذن الله تعالى لأنه لم يأت من فراغ أو في ظروف قسرية.
وعندما يتناول قائد كبير في الأسرة الخليجية وزعيم عربي بارز كخادم الحرمين الشريفين مسيرة العمل الخليجي المشترك، فإنه -حفظه الله- يقدم الرؤية الوثيقة لقوة ومتانة المجلس وآفاق مسيرته القادمة بإذن الله تعالى.. حيث قال: «مع ما تنعم به دولنا ولله الحمد من أمن واستقرار وازدهار، فإن منطقتنا تمر بظروف وتحديات وأطماع بالغة التعقيد، تستدعي منا التكاتف والعمل معاً للاستمرار في تحصين دولنا من الأخطار الخارجية، ومد يد العون لأشقائنا لاستعادة أمنهم واستقرارهم. ومواجهة ما تتعرض له منطقتنا العربية من تحديات وحل قضاياها».
وشكّل مجلس التعاون الخليجي، ومنذ نشأته عام 1981م، واحداً من أكبر التكتلات في المنطقة، وعمل على مواكبة تطلعات الشعوب الخليجية وتحقيق العديد من المنجزات، من بينها: تعزيز التعاون مع دول العالم من خلال تطوير علاقات دول المجلس الاقتصادية والتجارية مع أهم الشركاء التجاريين حول العالم، إلى جانب عقد شراكات إستراتيجية إقليمية مع دول عدة، من بينها الأردن والمغرب واليمن، فضلاً عن الشراكة الإستراتيجية الدولية مع أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وكان للمجال الأمني المشترك نصيب الأسد، فقد عمل المجلس على تعزيزه من خلال عقد شراكات مع المنظمات الشرطية الإقليمية والدولية، لمكافحة الجرائم عبر منظومة الاتصالات.
وتأتي أهمية دعم البنيان الاقتصادي الخليجي ليكون أكثر صلابة وقوة، من خلال الموافقة على مشروع النظام الأساسي للهيئة القضائية الاقتصادية، وإنشاء مكتب تنسيقي مؤقت بالأمانة العامة لمجلس التعاون، ضمن متابعة وإشراف إدارة المال والنقد بقطاع الشئون الاقتصادية والتنموية، فيما تتجلى أهمية التعاون في مجال مؤسسات النقد والبنوك المركزية إلى جانب التعاون في المجال الصحي والتعاون الإعلامي.
ولأنَّ العمل الخليجي المشترك ارتكز على قواعد ثابتة، فإن الأمر المهم والأهم أيضاً هو قاعدة التعامل.. فالأساس هو الإرادة المشتركة والتفهم والتقدير المتبادل للرأي الذي يستهدف المصلحة العليا.. فاختلاف الرأي هو اجتهاد يضيف ولا ينقص يجمع ولا يفرق.. ودائماً التقاء على الهدف الأسمى بكل مرونة وتفهم ولا طرق مسدودة بين الأشقاء وهذا ما ترجمته المسيرة الخليجية وأكده خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- بقوله: «فإننا على ثقة أننا سنبذل جميعاً -بحول الله- قصارى الجهد للعمل لتحقيق نتائج ملموسة لتعزيز مسيرة التعاون والترابط بين دولنا، ورفعة مكانة المجلس الدولية، وإيجاد بيئة اقتصادية واجتماعية تعزز رفاه المواطنين، والعمل وفق سياسية خارجية فاعلة تجنب دولنا الصراعات الإقليمية، وتساعد على استعادة الأمن والاستقرار لدول الجوار، واستكمال ما بدأناه من بناء منظومة دفاعية وأمنية مشتركة، بما يحمي مصالح دولنا وشعوبنا ومكتسباتها».
أسرة واحدة عربية وإسلامية
وللخلاف أصول
وإذا كانت الساحة الوطنية والخليجية قد شهدت العديد من الرؤى الصائبة الثاقبة لمختلف قضاياها صاحبتها دعوات بتحقيق التضامن والسعي للوصول إليه، فإن العلاقات داخل الأسرة العربية والإسلامية اتسمت دائماً بوجود مساحة كبيرة من التقدير المتبادل واحترام كل بلد لشئون الآخر فكان وسيظل دائماً نموذجاً إيجابياً على الساحة العربية والإسلامية.. وما قد يتصوره البعض من المتاجرين ممن لا يودون الخير لأبناء المنطقة العربية والإسلامية هي أوهام زائفة تطمس أغراضها على قاعدة الترابط واللقاءات بين الأشقاء في الدول العربية والإسلامية، وهذا ما حرص عليه خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- منذ أن تولى شئون الوطن وهو يعمل ليل نهار على تقوية الصف العربي والإسلامي وإعادة العدل والسلام الذي فقدته كثير من الدول وكثير من هذه الدول في منطقتنا، منطقتنا العربية والإسلامية التي تكثر فيها المشاكل السياسية والفتن، ففد حول الملك سلمان العاصمة الرياض مركزاً للمشاورات السياسية واتخاذ القرار الذي يخدم الأمة. وهذا ما عبر عنه قائلاً: «إن أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها»، وتأكيده بأن وطنه سيحرص على «كل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا».
وقال أيضاً: «إن واقعنا اليوم يحتم علينا الوقوف معاً أكثر من أي وقت مضى لمحاربة آفة الإرهاب وحماية جيل الشباب من الهجمة الشرسة التي يتعرض لها والهادفة إلى إخراجه عن منهج الدين القويم والانقياد وراء من يعيثون في الأرض فساداً باسم الدين الذي هو منهم براء. وقد خطونا خطوة جادة في هذا الاتجاه بتشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي يضم تسعاً وثلاثين دولة لتنسيق كافة الجهود من خلال مبادرات فكرية وإعلامية ومالية وعسكرية تتماشى كلها مع مبادئ المنظمة وأهدافها. إن ما يتعرض له عالمنا الإسلامي من صراعات وأزمات تتمثل في التدخل السافر في شئون عدد من الدول الإسلامية وإحداث الفتن والانقسامات, وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية واستخدام الميليشيات المسلحة لغرض زعزعة أمننا واستقرارنا لغرض بسط النفوذ والهيمنة يتطلب منا وقفة جادة لمنع تلك التدخلات وحفظ أمن وسلامة عالمنا الإسلامي».
هذه هي المبادئ التي يسير عليها عاهل هذا الوطن وقائده ورمزه مليكنا سلمان، ويسير عليها الوطن.. والتي أصبحت سمة لإنسان هذا (الكيان) يلتقي فيها مع طموح إنسان الخليج والعرب والإسلام، ويضع نموذجاً كبيراً لتمسكنا بخصوصية العقيدة والانتماء.
وفَّق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى كل ما يصبو إليه ويتطلع لبلوغه من التضامن والتعاضد لما فيه خير خليجنا وأمتنا العربية والإسلامية عملاً بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
- مدير العلاقات العامة والإعلام بتعليم وادي الدواسر