د. محمد عبدالله الخازم
تعرفت على الراحل الأستاذ تركي السديري، دون تخطيط مسبق، عام 1996م تقريباً وكنت وقتها للتو عائد بدرجة الماجستير وحماس الشباب. وفي أول أو ثاني لقاء صارحته برغبتي في أن أصبح كاتباً، وقد كان لي محاولات بصفحات القراء. سألني عن تخصصي فاقترح علي أن أكتب في صفحات الرياضة عن الإصابات الرياضية. شعرت بأن رئيس القسم الرياضي لم يكن متحمساً فالفكرة جديدة وهو بحاجة إلى كاتب رياضي يواكب منافسات الرياضة اليومية؛ ربما أحرجت رئيس التحرير أو أنه أراد التخلص مني بطريقة ما. بعد أيام بادر هو يسألني لم لم تبدأ حتى الآن؟ أخبرته بأنني أنتظر توجيهات مدير التحرير. لم يأت المساء حتى تواصل مدير التحرير، وبدأت قصة أول زاوية أكتبها في الصحافة تحت مسمى «من واقع الطب الرياضي» وكانت أسبوعية تحكي عن الإصابات الرياضية ورياضة المرأة ورياضة أصحاب الإعاقات وبعض المواضيع ذات العلاقة بالجانب الإداري التنظيمي الرياضي.
في بداية العام 1999م طلبت الانتقال من صفحات الرياضة لأصبح كاتباً حراً وقد كنت حريصاً على ذلك قبل سفري لبدء الدكتوراه، وبدأت كتابة المقالات المطولة -نصف صفحه وأكثر- في صفحة حروف وأفكار. واستمررت كذلك حتى بعد عودتي من الدكتوراه، حيث وافق رحمه الله أواخر عام 2003م على طلبي بالبدء في زاوية كتابية لمرتين أو ثلاث أسبوعيًا وكانت «نقطة ضوء» المستمرة حتى الآن ولكن في صحيفة الجزيرة.
لم يكن هناك علاقة شخصية كبيرة بيننا ولم أكن ألتقيه سوى لأوقات قصيرة جداً في أوقات متباعدة. كان أريحياً في منحي الفرصة للكتابة والتدرج في الكتابة ليس لعلاقة صداقة أو صحبة وإنما لمجرد قناعته بأنني شاب أستحق أن أمنح الفرصة، وأدين له -رحمه الله- بالفضل في ذلك. ليس كل قائد يمنح الفرصة للشباب بهذه الأريحية والكرم.
كنت أزور الجريدة في أوقات متباعدة والعجيب أنني لم أقابله داخل مكتبه سوى مرة واحدة، رغم تكرار الزيارات على مدى عشر سنوات. دائماً أجده عند سكرتيره أو أحد مدراء التحرير. كان له هيبة وصرامة إدارية، تلمحها في عيون العاملين بالجريدة، وفي نفس الوقت بساطة عجيبة في مكان الجلوس ولقاء الزوار. كنت أعرف أنه طالما كان موجوداً فحتماً سألقاه بجوار سكرتيره، كأنه زميله، يراجع أوراقاً أو يشاهد التلفاز...
تركي السديري -رحمه الله- ساهم في دخولي مجال الكتابة ومنحي مساحة واسعة في التعبير عن الرأي ومن بعض تنبيهاته القليلة تعرفت على بعض الخطوط الحمراء الواجب الانتباه لها. في السنوات الأخيرة -ربما لظروفه الصحية أو لمعطيات أخرى لا أعرفها ككاتب- تغيرت فلسفته في العمل وبالذات فيما له علاقة بكتابة الرأي، وأختصرها كما وصفتها له -رحمه الله- ذات يوم «علمتنا يا أبا عبدالله أن نكون كتاباً صقوراً والآن تريدنا أن نصبح حمائم». قدرت له حقه في تغيير سياسة جريدته بما في ذلك مراهنته على التحقيق الصحفي مقابل تقليص حدة كتابة الرأي. وكان لي خيار الانتقال للغالية، جريدة الجزيرة، التي احتضنتني بالود والتقدير.
رحم الله الأستاذ تركي السديري فله أحتفظ بالتقدير والعرفان على منحي الفرصة ودعمي في مجال الكتابة...