سعد الدوسري
أليس من الأجدر أن نكتب كل تلك المقالات الجميلة عن تركي السديري أثناء حياته، وليس بعد أن يغادرنا لجوار ربه؟! ألن يكون ذلك أكثر مصداقية وأكثر تأثيراً، خاصةً عليه، وهو الذي كان يعاني من المرض والعزلة في أواخر حياته؟!
أذكر حين كنت أحد كتاب جريدة «الرياض»، وبمناسبة الاحتفالية بصدور العدد 10 آلاف، قبل حوالي 22 سنة، كتبتُ مقالاً أطالب فيه رئيسنا بالراحة، بعد العناء الشديد الذي تكبده في قيادة واحدة من أنجح الصحف السعودية. وحاولت بكل جهدي ألا أجعل المقال يبدو وكأنني أقول له:
-تراك طولتها!
ولقد بذلت هذا الجهد، خصيصاً لكيلا أفسد بهجة المناسبة السعيدة. وكنت أتوقع، بسبب حساسيته وحِدتّه المعروفتين عنه، ألا يجيز المقال أولاً، وأن يغضب مني ثانياً، أو على الأقل يعاتبني بتهذيب،كما كان يفعل دوماً، حين لم يكن يتفق معي في بعض آرائي. لكنه لم يفعل، بل طلب مني تأجيل نشر المقال، لأن الوقت غير مناسب لنشره. ومع محاولاتي بأن أوضح له، أن هذا هو الوقت الأنسب لطرح وجهة النظر الصادقة تلك، إلا أنه أصر على رأيه، فاضطررت لكتابة مقال بديل، أكثر جرأة، بعنوان «عروبة المختبئ يساراً»، وكان عن المؤسس الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، وعن عزلته التي كان لا يزال يعيشها في دارته الواقعة يسار شارع العروبة، وتم نشر المقال.
مناخ مثل هذا المناخ، وعلاقة راقية مثل هذه العلاقة، بين رئيس تحرير وكاتب عمود يومي، لا تتحقق إلا بوجود صحفي مثل تركي السديري. وربما لكوني لم أتعلم الصحافة في مدرسة «الرياض»، بل في المدرسة المنافسة، مدرسة «الجزيرة»، التي غادرتُها في اليوم التالي لإقالة رئيسها خالد المالك عام 1983، سيكون انطباعي أكثر واقعية، من انطباعات الذين تعلموا في مدرسة «الرياض». ومعروف بأن هاتين المدرستين، هما اللتان أسستا لمهنة الصحافة السعودية، كمهنة، قبل أن تنضم لركبهما صحف أخرى، ومن أهمها «عكاظ» و»اليوم» و»الوطن». صحيح أن ثمة أخطاء هنا وهناك، وتحفظات على بعض الممارسات في كل مدرسة، لكن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان، هو أن تلك المدارس هي التي أسهمتْ في خلق الحوار الحقيقي حول مشاريع التنمية، وأنها هي التي سرّعتْ عجلة التطور المجتمعي، وأسستْ خطاب المكاشفة الجريئة مع مسؤولي الدولة، وهي التي واجهتْ التيارات المؤدلجة، وكشفتْ الخطاب التجهيلي الظلامي، وأتاحت للثقافة الجديدة والفكر الحداثي بأن يشقا طريقهما لعقول الأجيال الشابة.
في الأيام التي يغادرنا فيها أخونا وصديقنا وزميلنا تركي السديري، إلى دارٍ خير من داره بإذن الله، من الجميل أن نتذكر منجزاته ومنجزات زملائه، ليكون ذلك بعضاً من وداعنا له.