محمد أبا الخيل
كثيراً ما نسمع تعبير (الفرص المهدرة) في سياق الحديث عن قضايا التعويض أو دراسات وتقارير الجدوى الاقتصادية, وهو تعبير اقتصادي للدلالة على تكلفة الإعاقة لتحقيق مردود اقتصادي من نشاط ما نتيجة حدث أو إهمال أو تعطل، وكثير ما يخُتلف حول قيمة أو تكلفة الفرص المهدرة نظراً لكونها افتراضية إلا إذا كانت تتعلق بعطل في مصنع أو إجراءا محدد له مدخلات ومخرجات معروفة، ولكن في الاقتصادات الوطنية تقدر تكاليف الفرص المهدرة كقيمة سالبة لإجمالي الناتج المحلي، وتنسب لإجمالي الناتج المحلي الفعلي. ويشار لذلك بمعيار للدلالة على فاعلية الاقتصاد الوطني في الاستفادة من الفرص السانحة والممكنة. فكلما كانت نسبة قيمة الفرص المهدرة لإجمالي الناتج المحلي كبيرة أعطت دلالة أكبر على وجود عوائق مالية أو سياسية أو فنية أو بنيوية أو تنظيمية أو سلوكية اجتماعية أو طبيعية تعترض الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة، هذا المعيار قليل ما يشار له في تقييم اقتصاديات الدول لكونه يعتمد على قيم افتراضية وصعبة الحصر ولكن له أهمية كبيرة في تقييم فاعلية الاقتصاد على جذب الاستثمارات الخارجية. ومع ذلك يعصب الاعتماد عليه لكونه لا يصدر عن مؤسسات رسمية أو دولية لها مصداقية عالية.
الفرص المهدرة في الاقتصاد السعودي كبيرة في نظري وعوائقها متعددة وربما أن أكبر الفرص المهدرة هي تلك المتعلقة بالخدمات أو استغلال الموارد البيئة مثل السياحة وجذب الاستثمارات فيها والانتفاع الأفضل في جذب مزيد من المعتمرين والزوار للحرمين الشريفين، وهناك فرص مهدرة في الصناعة المعتمدة على الموارد الطبيعية والمنتجات الأساسية مثل التعدين والصناعات التحويلية البتروكيماوية والمعدنية وغيرها نتيجة لضعف المعرفة أو صعوبة الوصول لمصادر التقنية الصناعية، ولكن أكبر الفرص المهدرة في الاقتصاد السعودي هي الفرص الناتجة عن سلوك اجتماعي يتمثل في التردد والخلافات غير المحسومة قضائياً وعدم الاكتراث للعوائد المحتملة نتيجة لضعف الثقافة الاستثمارية، وكثير من الفرص مهدرة لطبيعة البنائية التمويلية في النظام البنكي السعودي وضعف الرغبة في المغامرة أو تمويل المغامرة.
معظم الثروة في المملكة العربية السعودية مستودعة في القيمة المالية للعقار وخصوصاً الأراضي غير المستغلة، وفي العقار هناك كم هائل من الفرص المهدرة، ليس في عملية التطوير والبيع والمتاجرة فقط بل في عملية التأجير والتوظيف الأمثل لجني المنفعة الأعظم من ذلك، فعلى سبيل المثال كثير من المباني في معظم المدن السعودية الكبيرة فارغة تماماً لمدد طويلة بعضها يتجاوز عدة أعوام لرغبة المالك في التأجير الشامل أو طلب إيجارات باهضة لا تناسب السوق أو عدم اكتراث وانشغال بتحقيق موارد أخرى، أو وجود خلافات بين ملاك العقار من الصعب حسمها خرج القضاء أو داخله لظروف عائلية، وكثير من العقارات غير المستغلة هي أوقاف خاصة أو عامة إما تكون بحاجة لصيانة ورعاية تستلزم أموال من خارج الوقف يصعب توفيرها أو تستلزم رعاية وإدارة لا تتوفر بحكم انشغال ذوي العلاقة بشئونهم وخلافهم حول التفويض لغيرهم، أو تكون في عهدة الدولة وتخضع لإجراءات بيروقراطية ضبطية مرهقة. وربما يكون من المناسب وضع رسوم خاصة للعقارات المبنية وغير المستغلة أسوة بالأراضي البيضاء غير المستغلة لكونها تستغل مواقع اقتصادية بلا نفع عام أو خاص وتسهم في خلق أزمة السكن والتأجير.
هناك فرصة كبيرة مهدرة في قطاع مهم من قطاعات الاقتصاد الوطني وهو قطاع التجارة بصورة عامة والتجزئة بصورة خاصة، والفرص المهدرة هنا ليست فرص بيع وتحقيق إيرادات نقدية، بل هي فرص تحقيق منفعة للعملية التبادلية التجارية للتجار بصورة رضا العملاء وللمستهلك في صورة استفادة واستخدام، فكثير من المواد التي يتم تبادلها إما مغشوشة أو رديئة الجودة أو غير موافقة للذوق والاستخدام الأمثل، وربما لو وجد نظام قسري لاسترداد المبيع بشروط عملية وخلال مدة زمنية محددة مثل ما هو معمول به في كثير من الدول عوضاً عن القاعدة المعمول بها (البيعان في الخيار ما لم يتفرقا)، لحد ذلك من إرادة التاجر في تلبيس السلع وتجميلها لكسب الرضا المؤقت.
لاشك أن هناك مئات الفرص المهدرة في كل قطاع من القطاعات الاقتصادية في بلادنا ومعالجة أسباب ضياع تلك الفرص يقتضي دراسات وتنظيمات وسياسات مشجعة للمغامرة والاستغلال الأمثل للموارد الأولية والمادية، وتنظيمات لاستثمارات الأوقاف والتي سوف تتضاعف قيمتها في السنوات المقبلة نتيجة لتأصل ثقافة (الوصية بالثلث) والغياب القدري لكثير ممن حققوا ثروات كبيرة خصوصاً من تجارة العقار, كما يقتضي بالدرجة الأولى تغييراً في السلوك الاستثماري ووعياً استهلاكياً يتطلب النوعية والجودة.