د.عبد الرحمن بن سليمان بن محمد الدايل
بكل الفخر والاعتزاز تتجه أنظار العرب والمسلمين من كلِّ مكان إلى عاصمتنا الغالية الرياض، وتتَّجه معهم أنظار العالم، لتتابع أول زيارة يقوم بها الرئيس الأمريكي «ترامب» إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث محطته الأولى هي «الرياض» ومقصده الأول هنا، في تلك العاصمة التي كانت وستبقى - بإذن الله - قلعة العرب والمسلمين، تلك العاصمة الغالية التي يشهد لها العالم بمكانتها المتميزة، التي تحظى بها في ميادين السياسة والاقتصاد، والفكر والثقافة والعلاقات الدولية، كما أدرك العالم - ومنذ وقت بعيد- ما يتحلَّى به قادة المملكة من صدقٍ في التوجّه، ووضوح في الرؤية، وبُعد في النظر، وحكمةٍ في القرار، وحسمٍ في المواقف.
لقد أصبحت تلك المكانة المتميزة للمملكة راسخة شامخة منذ أسس الملك عبد العزيز -رحمه الله - هذا الصرح الكبير، وأقام علاقاته مع المجتمع الدولي على مبادئ ثابتة، وقيم إنسانية رفيعة في التعامل والتعاون مع مختلف دول العالم الحريصة على العدل والأمن والسلام، وكانت علاقات الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية حاضرةً ومتميزة مع بدايات تأسيس المملكة، وقد تأكدت هذه العلاقة في اللقاء التاريخي الشهير الذي جمع بين الملك المؤسس عبد العزيز -طيّب الله ثراه-.
والرئيس الأمريكي روزفلت منذ أكثر من اثنين وسبعين عامًا. ثم استمرت المكانة المتميزة للمملكة في ميادين العمل الدولي مع أبنائه القادة البررة، الذين تسلَّموا الراية من بعده، فأدَّوْا جميعهم الأمانة وتحمّلوا مسؤوليات ترسيخ مكانة هذا الصرح، حتى وصلت تلك الأمانة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- الذي تربَّى في مدرسة المؤسس، وتعلَّم فيها حكمته في القيادة، وحزمه في الإدارة، واهتمامه بشؤون العرب والمسلمين، وتبنّي قضاياهم المتعدِّدة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
ومن هنا فليس من قبيل الصدفة أن تكون الرياض -قلعة العرب والمسلمين- هي المقصد الخارجي الأول للرئيس الأمريكي ترامب، حيث تجيء زيارته إلى الرياض في وقتٍ لا يخفى على أحد - من ساسة العالم، أو من متابعي الأحداث الدولية - ما يمرُّ به عالمنا اليوم من مشكلات جسيمة، استعصت عليها الحلول حتى الآن، وتولَّد عنها ومنها آثار مدمرة، عصفت باستقرار عددٍ من الدول العربية ووضعت مصائرها في طريق مجهول، بل وضعت بعض بلدان العالم الإسلامي في موضع الخطر والتهديد، بعد أن أصبح الإرهاب يطلُّ - كل حين - بوجهه القبيح الذي لا يخفيه، وصار واضحًا للعيان - وضوح الشمس - أولئك الذين يقفون وراء الإرهاب، يساندونه ويؤازرونه دعمًا بالفكر، وتزويدًا بالمال والسلاح، وتأكيدًا بالتدريب والتخطيط، وترويجًا له بالإعلام الكاذب المضلِّل، ليتمادى في تنفيذ مخططاتهم وأهدافهم الدنيئة، والنيل من بلدان العرب والمسلمين.
نقول لم تكن صدفةً أن يتم اختيار الرياض لتكون المحطة الخارجية الأولى للرئيس ترامب، وليس صدفة أن تكون أول قمة ثنائية يعقدها الرئيس الأمريكي خارج بلاده هي مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله.
فالرئيس الأمريكي يعرف مع مَن سيتقابل، ومع مَن سيجتمع، في هذه الظروف التي يعيشها عالم اليوم وبالأخص في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، فالملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- يمتلك من حكمة الرأي وصراحة القول، ووضوح الطرح، وخبرة التعامل مع القضايا المعاصرة الشائكة ما يجعل قلوب قادة العالمين العربي والإسلامي تأتلف حوله، وتُصغي إليه. فكيف بهم إذا كان حاضرًا في ائتلافهم واجتماعهم الرئيس الأمريكي للتباحث حول هذه الأوضاع التي أصبحت تئن تحت وطأتها دولٌ في المنطقة العربية وكثيرٌ من بلدان المسلمين، وأصبحت دول كثيرة في مختلف أنحاء العالم تشهد أحداثًا إرهابية، لم تعد تخفى على أحد آثارها المخربة ونتائجها المدمرة.
كما تجيء زيارة الرئيس الأمريكي للرياض في وقتٍ تعقَّدت فيه مشكلة العرب والمسلمين الأولى - مشكلة فلسطين - بعد أن ظلَّت في قائمة انتظار الحلول الحاسمة سنين طويلة منذ نكبة فلسطين، ولكن لا حلول لها، رغم الوعود الدولية، وعلى الرغم من المبادرة العربية التي لا تزال مطروحة حتى الآن، مما يضاعف من كثافة الضباب وكثرة التساؤلات على مواقف الإدارة الأمريكية السابقة، والتي وضعتها تصرفاتها نحو قضايا العرب والمسلمين في موضع التعجب والاستفهام.
ومن هنا تأتي أهمية تلك الزيارة إلى قلعة العرب والمسلمين، والتي تجمع بعض قادتهم مع الرئيس الأمريكي ترامب في ضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، المشهور بحرصه على تبنِّي المواقف العادلة، والسير في طريق الحلول الحاسمة في إطار المبادئ الراسخة التي تتعامل بها المملكة مع المشكلات العربية والإسلامية والدولية بصفة عامة، ومع المشكلة الفلسطينية بصفة خاصة، حيث تنظر إليها المملكة على أنها أساس المشكلات في المنطقة العربية، ويستغلها أعداء الأمة العربية للتدخل في الشؤون العربية، والترويج للتطرف والإرهاب بدعاوى باطلة، ينجذب إليها بعض الجهلاء والذين في قلوبهم مرض، فيستشري الإرهاب ويزداد التطرف طالما بقيت هذه المشكلة من غير حلٍّ عادل يعيد الحقوق لأصحابها.
ولقد أدرك الملك المؤسس - رحمه الله- خطورة هذه المشكلة منذ بداياتها، وكان يستشعر بحسّه العربي المسلم أنها إذا تفاقمت ستكون أداةً لتدخل غير العرب، واتخاذها وسيلة لتحقيق أهداف مشبوهة باطلة، فدافع - رحمه الله- عن حق الشعب الفلسطيني في أول لقاء قمة سعودية أمريكية، جمعته والرئيس الأمريكي روزفلت، حيث فنَّد ادعاءات اليهود، وأكّد بكل وضوح الحق العربي الفلسطيني، وحذَّر أمريكا من خطورة الدعاية الصهيونية التي تحاول إثارة الرأي العام الأمريكي، وقال الرئيس روزفلت بعد هذه القمة: «إن ما عرفتُه من ابن سعود عن فلسطين في خمس دقائق أكثر مما عرفته في حياتي كلها».
فهل سيتمكن الرئيس الأمريكي ترامب أن يحقق ما لم يحققه غيره من رؤساء أمريكا السابقين، فيتجه إلى الحل الحاسم لهذه المشكلة التي تعتبر أمَّ المشاكل العربية والإسلامية؟
وهل ستنطلق السياسة الأمريكية بعد لقاءات الرياض إلى تبنّي إستراتيجيات واقعية للتعامل مع السلاح النووي الذي أصبح يهدد المنطقة العربية بكل وضوح؟
وهل ستتعاون الإدارة الأمريكية الجديدة في فتح صفحات جديدة في التعامل مع ما يهدِّد المنطقة العربية من تدخلات، واعتداءات تهدِّد السلم والأمن الدوليين؟
إن هذه الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأمريكي ترامب إلى الرياض قلعة العرب والمسلمين، تبعث على الأمل في إجابات إيجابية حول تلك التساؤلات، وخصوصاً أنها جاءت ثمرة من ثمار زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية ولقائه مع الرئيس الأمريكي، وسوف تكشف الأيام وتثبت -بإذن الله- أن الرياض ستظل حصنًا للعروبة والإسلام، وستبقى أنموذجًا في العطاء الإنساني، ورمزًا في ميادين التعاون الدولي، ومناصرة الحقوق ومناهضة العدوان، والمحافظة على الصديق على مرّ العصور والأزمان.