أ.د.عثمان بن صالح العامر
الخطاب السعودي مثله مثل غيره من الخطابات القطرية، ليس خطاباً واحداً لا يختلف زماناً ومكاناً ولا يتغير حسب الحال والمحل، بل هو خطاب- مع ثبات مرجعيته ورسوخ مكوناته ومنطلقاته- يتنوع ويتجدد لاعتبارات عدة، من بينها- بل أهمها- تنوعه حسب القطاع الذي ينتمي إليه: "الديني، والاقتصادي، والثقافي الفكري، والسياسي، والعلمي، والتقني، والاجتماعي، والإعلامي وهكذا"، من وجهة نظري الشخصية أعتقد أن من أنجح الخطابات عالمياً اليوم "خطابنا السياسي الخارجي" الذي استطاع خلال فترة وجيزة أن يبدل في موازين القوى الخارجية، وأن يغير المواقف العالمية، وأن يزيل من الذهنية السياسية مصطلحات ومفاهيم روج لها منظروها والساعون لتطبيقها والمصفقون لهم سنوات، بل جعلوا شريحة من مثقفينا وكتابنا يعتقدون أننا أصبحنا أمام أمر مفروغ منه لابد من التسليم به والخضوع له وعدم محاولة الوقوف ضده أو إعاقة حركته التي لن تتوقف حتى يتولد مما نُعت ب"الفوضى الخلاقة" دولاً عربية وإسلامية مفتتة مفككة منهكة ضعيفة من السهولة بمكان اختراقها ومن ثم إسقاطها ومحوها من الخارطة العالمية لمصلحة مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكأننا أمام سايكس بيكو جديدة.
لقد تابعت وأحرص على متابعة كل كلمة يقولها معالي وزير الخارجية عادل بن أحمد الجبير، وهي - مع ما فيها من حجية قوية وسلاسة في الأسلوب وتسلسل في الأفكار- تؤصل لخطاب خارجي شمولي يتجاوز حدود الخطاب السياسي المعروف ليصل إلى تخوم الديني والاقتصادي والاجتماعي بشكل رائع وفريد، دون أن يصادم أو يزاحم أيا منها في الفضاء العالمي، ولذلك استطاع هذا الخطاب المتجدد العقلاني المتزن المتوافق مع ما يتميز به شخص معالي الوزير من هدوء وذكاء وحنكة ودهاء، أقول: استطاع الخطاب السياسي السعودي "الخارجي" المرتكز على منطلقات شرعية ومصالح وطنية أن يغير الموقف من المملكة العربية السعودية، ليس في سياستها الداخلية والخارجية فحسب، بل حتى فيما يُعتقد عنا ويقال من قبل شريحة من الكتاب والمفكرين، سواء ما كان له صلة بنظرتنا للآخر والعلاقة معه، أو في فهمنا للدين والالتزام به وموقفنا الصحيح من جماعات الإسلام السياسي، أو في تبنينا الحقيقي للتسامح الإنساني وسعينا الجاد لتحقيق السلام العالمي ونبذنا لكل ما يمت للعنف والتطرف بصلة، سواء من قريب أو بعيد أو...
لقد تميز خطابنا الخارجي- فضلاً عن كل ما سبق- بالشفافية والقدرة على الإقناع، مع ما يتمتع به من دبلوماسية عالية ولغة بيّنة، ولذا تحقق بفضل الله ثم بهذا الخطاب المدروس ما لم يكن ليتحقق بسنوات طوال، ولم يكن لا هذا ولا ذاك أن يتوافر ويتم لولا توفيق الله عز وجل ثم وجود رجل التاريخ " الأصالة والتجديد"، ملك العزم والحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين، وولي ولي العهد في هذه الحقبة الزمنية الصعبة الذين استطاعوا في وقت وجيز أن يجعلوا الرياض قبلة السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين، وأن يعيدوا لبلادنا الغالية قيادتها الحقيقية للعالم الإسلامي فضلاً عن العربي والخليجي، وأن يجعلوا أول زيارة للرئيس الأمريكي الجديد "ترامب" لوطن الإسلام والسلام المملكة العربية السعودية. وهذا ما سأعرج عليه الثلاثاء القادم بإذن الله، حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، وأدام عزنا، ونصر جندنا، وأعلى رايتنا، ووقانا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.