زكية إبراهيم الحجي
الحضارة البشرية ليست كل ما أبدعه الإنسان منذ أن تعلم إشعال النار عبر احتكاك الأحجار وحتى تفتيت الذرة واكتشاف الفضاء خلال عصرنا الحالي.. وهذا يُظهر وعي الإنسان القديم وقدرته العقلية على الصنع والإبداع مما هو متوفر في بيئته من وسائل وأدوات بسيطة ومتاحة ليتغلب بذلك على قلة الحيلة والتحديات التي تفرضها الطبيعة
ورغم بساطة حياة إنسان الأمس وقلة موارده وصعوبة العيش.. ورغم ما عاناه من حروب قبلية وعصبية قياساً بمجتمعات اليوم إلا أن مظاهر الوعي كانت واضحة لديه خاصة تلك الآثار القديمة التي خلفتها حضارته من رسوم للحيوانات على جدران الكهوف..وأنواع الكتابة، وتعدد اللغات إلى بناء القلاع وطرق ري الأراضي الزراعية إلى غير ذلك من مهارات تنم عن وعيه الذي وُجِد مع وجوده على سطح الأرض وارتباط هذا الوعي بالحاجات الحياتية اليومية.
لقد تحدث الكثير من المفكرين والأدباء عن الوعي واجتهدوا في توصيفه ومهما يكن فمن المؤكد أن الوعي ليس حكراً على إنسان دون آخر مهما كانت ثقافته أو مستوى ذكائه، بل هو متفاوت في درجاته عند البشر.. فالوعي يلازمه اليقظة والانتباه، وهذا ما قد يفتقده البعض؛ لذلك فالوعي الفردي مرتبط بالتربية المنزلية والمدرسية والعائلية والاجتماعية وما نعتبره مثلا وعياً وذكاء عند الطفل في طفولته ربما يفقده من جراء تربية غير سليمة وتفرض عليه فرضاً، كما أن المجتمع يسهم في تبلور الوعي عند الفرد من خلال توسيع معارفه وخبرته ودمجه في المجتمع.
الوعي الإنساني بشكليه الفردي والجماعي يحتاج إليه كل إنسان في حياته والمجتمعات البشرية مدعوة لأن تكون أكثر وعياً وإدراكاً حتى تتمكن من السيطرة على الصعوبات التي تواجهها في مسيرتها من مخططات مشبوهة وثقافات هدفها تزوير الواقع أو التضليل.. أو تمرير مشاريع تدعو للتفرقة على أساس المعتقدات الدينية كما هو حاصل في وقتنا الحالي.
ولا شك أن الوعي الاجتماعي تطور عبر مراحل التاريخ.. وتفتح الوعي الفردي أكثر فأكثر مع تزايد المعرفة والإحاطة بواقع مجتمعه وتنوع النشاطات والعادات والأساليب ويعود الجزء الأكبر من هذا التطور للتقدم التقني وتطور العلوم وتراكم المعرفة، كل ذلك أدى إلى قيام مجتمعات أكثر وعياً بذاته ومجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه وغاياته التي يسعى إلى تحقيقها.