يتعرض الإنسان في حياته إلى مواقف عدة تنصهر في روحه, وتنعجن في خلاياه وتكبر, وتتفاقم فتؤثر فيه يومًا عن يوم.
هذه الأحداث مهما بدت لنا عادية إلا أنها عند صاحبها مختلفة تمامًا.
فالبعض يؤلمه التّندر في المزاح, لاسيّما إذا كان على مستوى الشّكل, أو الهندام.
هذا الأمر وإن بدا عاديًا عند البعض, قد يكون مدمرًا نفسيًا عند البعض الآخر, يعقبه فقدان الثقة, وكره للآخر, ومن ثم انعزال عن المجتمع, وانتقام من أفراده بعدة طرق, قد تأتي على هيئة بذاءة في مواقع التواصل, أو تنمر في المدارس, وأماكن العمل, والأماكن العامة. ولعل ردات الفعل القاسية هذه تكثر عند المراهقين تحديدًا؛ ذلك لأنهم في طور تشكّل الشخصية التي يحاولون قدر المستطاع حمايتها.
إنّ إهانة الصغار, والمراهقين بحجة التندر والمزاح تُنتج جيلًا من المرضى سلوكيًّا إن لم يكن نفسيًّا, وتجعل من مجتمعاتنا مجتمعات عنيفة لا تحترم العلاقات, والأنظمة.
لقد أثرت هذه العادة الذميمة على طريقة حديث أطفالنا مع العمال من جنسيات مختلفة.
فترى الطفل الصغير يتبجح في وجه سائق في سن والده, أو يتطاول على عاملة منزلية بعمر والدته. حتى نُشفى تمامًا من هذا المرض المجتمعي العضال؛ لابد أن نربي أولادنا بقيمتي الحب, والاحترام, فبغير هاتين القيمتين لن يتكاتف المجتمع, ولن يتمازج مع المختلف عنه دينًا ومذهبا وجنسية وجنسًا. سنظل نعاني من المشاهد الهمجية, والتخريبية؛ لأننا لم نتعهد رعاية الجيل بأهم الخصال التي تضمن لنا مجتمعا راقيا, واعيًا, يستند على أخلاق دينه التي تنادي بالحب والاحترام والتوقير. مادفعني لكتابة هذا المقال؛ هو المقطع الذي انتشر لامرأة سعودية تستفز الطفلة (سكينة) بمرض أمها, في وسم أطلقه المغردون في تويتر باسم (امرأة تحرق قلب طفلة)
حيث كانت المرأة بنبرتها الباهتة, اللامبالية, تردد على مسامع الطفلة في حضرة أطفال آخرين, عبارات توجع القلب, فتذكرها بأن والدتها ستموت, ولن يكون لديها أم تشتري لها الملابس والألعاب, ثم تختم: مسكينة سكينة!
هذا الكلام وإن جاء على طريقة المزاح, لن يمر على سكينة بنفس البرود الذي نطقته المرأة.
(أنا أمزح) لن ترأب صدع القلوب إذا تنافرت, ولن ترمم العلاقات إذا تشظّت.
فالله الله بتعهد أخلاق ديننا القويم, والله الله بتربية الأجيال بقيمتي الحبّ والاحترام, فبعدهما كل الخصال الحميدة ستأتي تباعًا.
- د. زكية بنت محمد العتيبي
zakyah11@gmail.com