تبدأ مابعد الحداثة بنقد التمركز عمومًا و التمركز على الفلسفة الغربية خصوصًا ؛ و هذا ما جعلها تهتم بالهامش مقابل المتن؛ و الهامش هنا هو ما كان خارج هذا المركز من ثقافات و فلسفات أخرى، وهذا ما جعلها تهتم بالتفكيك أو ما نعتها به زيجمونت باومان (الحداثة السائلة) ؛ فهي تهدف إلى السيولة و التشظي لكل ما هو جامد و متماسك .
و من خلال هذا الاهتمام بالهامش أو التابع بحسب ما اصطلح عليه المهتمون بفلسفة مابعد الحداثة تظهر لنا العلاقة بين الإسلام باعتباره دينا وليس فلسفة إسلامية فحسب، و مابعد الحداثة المهتمة بما هو خارج التمركز الغربي. فمابعد الحداثة حينما تتعامل مع الدين الإسلامي ليس لأنه هو الدين الحق بقدر ما هو مهمش في الفلسفة الغربية ؛ و التهميش هنا من منحيين : أحدهما في كونه دينًا ؛ إذ إن الفلسفة الغربية في مراحلها الأخيرة حاولت تنحية الدين ؛أيَّ دين ؛ كما في الفلسفة التحليلية و فلسفة نيتشه من قبل؛ و المنحى الاخر باعتباره دينًا شرقيًا روحانيًا لا يخضع إلى آليات العقل التي أبدعتها الفلسفة الغربية، وهذا ما حض العديد من الفلاسفة لاستحضار الدين عمومًا في المجال العام كما فعل (هابرماس)؛ وأضحت فلسفة الدين همًّا فلسفيا بعدما كانت بعيدةً عن الهم الفلسفي .
و ربما يكون استحضار مابعد الحداثة للإسلام نابع في أساسه من العرب الذين نقدوا الفلسفة الغربية ضمن (الاستشراق) كما عند إدوارد سعيد، و الانتصار ل(الحكم الإسلامي) كما عند وائل حلاق في كتبه (الدولة المستحيلة) و (ما الشريعة)، و نلحظ اهتمام المفكرين المنتصرين للثقافة الإسلامية بعمومها يهتمون كثيرًا بفلسفة مابعد الحداثة باعتباره فتحًا لهم للانتصار للدين الإسلامي الذي عاش مغيبًا بل و متهمًا في العصر الحاضر، و هذا ما نجده عند هبه رؤوف و هي امتداد لفكر عبدالوهاب المسيري حينما قدّمت لجميع ترجمات كتب (زيجمونت باومان) حول الحداثة السائلة و الخوف السائل ؛ و الحب السائل و غيرها من الكتب ؛ وما ذاك إلا أن باومان كان ناقدًا للفلسفة الغربية و فلسفة الحداثة يالخصوص ؛ و الحداثة هي الأساس في تنحية الدين عمومًا و دين الإسلام بالخصوص .
و لم تكن مابعد الحداثة مناصرة للدين باعتباره الحقيقة المطلقة؛ لأن الحقيقة في فلسفتها ليست ثابتة يقينية بل تتعامل معه من خلال كونه مهمشًا وكذلك في كونه مناوئًا للفلسفة الغربية ، و لعل هذا ما جعل اهتمامها بالإسلام امتدادً لاهتمامها بالتعددية الثقافية التي ترفض التمركز و الأحادية و النموذج ؛ فلم تعد الثقافة نموذجية في فلسفة مابعد الحداثة وهذا ما فتح للإسلام كوةً نحو صراع الثقافات .
و السؤال هنا : هل يمكن أن يتحول الهامش إلى متن في فلسفة مابعد الحداثة ؟! فنستبدل حينها متنًا بآخر و هامشًا بآخر ؟!! وهل هذا الصراع الذي يعانيه الغرب الآن من العنف الإسلامي يعتبر من مخرجات مابعد الحداثة ؟!
- صالح بن سالم
_ssaleh_@