الدمام - فايز المزروعي:
أكَّد مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية، أن تغيير الوعاء الضريبي لشركات الطاقة في هذا الوقت يبين جدية المملكة في السير تجاه الخصخصة والاكتتاب العام، كما يؤكد التزامها بتعزيز صحة سوق النّفط العالمية، لكي تستعيد استقرارها، وذلك من خلال دعمها تخفيضات إنتاج «أوبك».
وأوضح المركز في تقرير حديث خص به الـ»الجزيرة» أن هذه الخطوة ستعمل على تخفيض مخزونات النفط العالمية إلى مستويات تكون فيها غير ضاغطة على الأسعار، خصوصًا في وقت الاكتتاب العام، ولكي يكون طرح «أرامكو» في هذه الحالة جاذبًا لأكبر قدر من الاهتمام العالمي.
وقال رئيس المركز الدكتور راشد أبانمي لـ»الجزيرة»: قبل المرسوم الملكي بإعادة النّظر في ضريبة دخل شركات النّفط والغاز الطبيعي في 27 مارس الماضي، كان جميع منتجي النّفط والغاز الطبيعي في المملكة وهما «أرامكو» وشركة شيفرون الأمريكية بالتحديد، يخضعون لضريبة بنسبة 85 في المائة على صافي الدّخل التشغيلي، التي لا تشمل نفقات التشغيل، وتأسيسًا على ذلك فمن المقرّر أن تستند ضرائب الدخل الآن إلى ثلاثة مستويات من الاستثمار الكلّي الذي تقوم به شّركة تختص بقطاع النّفط والغاز الطبيعي السعودي، فالشريحة الأولى تشمل الشركات التي تكون مجمل استثماراتها أكثر من (100مليار دولار)، وتشمل شركة أرامكو وشيفرون الأمريكية، وبالتالي فإن ضريبة الدخل ستكون50 في المائة .
والصنف الثاني هو الشّركات التي تستثمر أقل وتتصاعد ضريبة الدخل تباعًا لتكون 65 و75 في المائة و85 في المائة اعتمادًا على مقدار المال الذي أسهمت به.
وقال أبانمي: إن تغيير الهيكل الضريبي للدّخل التي تخضع لها شركات الطّاقة تشكل خطوة أولى ومهمة للمملكة نظرًا لاستعداد المملكة للطرح الأولي لشركة أرامكو، ومن بين أهداف الطرح وكما جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع مجلة بلومبرج هو الشفافية والقضاء على الفساد بالدرجة الأولى، إضافة إلى جمع الأموال وتركيزها في صندوق للاستثمارات، ليتم إعادة استثماراتها ضمن خطّة الإصلاح في «رؤية 2030م».
وأضاف: لا شك بأن خفض المعدلات الضريبية إلى مستويات أكثر تنافسية تجعل من طرح أسهم «أرامكو» بقدر الإمكان عملية مربحة وجاذبة، كون ذلك يؤدي إلى زيادة عدد المستثمرين الراغبين في الدفع مقابل حصّة في «أرامكو»، وبالتالي يزيد المبلغ الأولي للاكتتاب، وبشكل عام فإن تغيير تطبيق ضريبة الدّخل بأثرٍ رجعي إلى الأول من يناير الماضي، لن يؤثر على عائدات المملكة النّفطية لهذا العام، كون أن «أرامكو» ما زالت مملوكة بالكامل للدولة وستصب العائدات النفطية بالكامل للدولة، أما الشركة النفطية الأخرى وهي شركة شيفرون صاحبة الامتياز فالعمل فيها وإنتاجها متوقف منذ عامين بسبب الخلافات الكويتية السعودية في المنطقة المقسومة المحايدة.
وأكَّد أبانمي، أن تخصيص «أرامكو» ربما يكون الحدث الأعظم في العالم منذ منح الامتيازات النفطية في الثلاثينيات من القرن المنصرم، كون قطاع النّفط يعد أهم القطاعات في العالم، وهو القطاع الذي ما يزال الأساس في الإيرادات الرئيسة.
وقال: لا شك أن خطوة كتلك تأتي في محاولة جادة للإفلات من قبضة الاقتصاد الريعي الذي تعاني منه معظم الدول النفطية، ولكن يبقى طرح جزء من أسهم «أرامكو» أمرًا غير عادي ولا يوجد طرح آخر قابل للمقارنة معه ولا يقارن بأي من الطروحات الأخرى من حيث الحجم، وطبيعة الطرح، والشكوك حوله والجدول الزمني، والمنهجية العملية في الطرح، فبيع جزء من «أرامكو» يأتي من ضمن تطورات الاقتصاد المحلي الممنهج في إطار «رؤية2030م»، وبرنامج التحول الوطني، وبطبيعة الحال سيصاحب ذلك جملة تعقيدات مرتبطة بطرح «أرامكو»، فهناك قضايا جوهرية ما زالت مفقودة التي ربما ستوجد من ضمن إعادة هيكلة الاقتصاد والإجراءات المصاحبة التي تأتي في إطار تلك الرؤية، أي أن هذه الخطوة تأتي من ضمن خطوات حثيثة ومترابطة في إطار «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني، إضافة إلى تخصيص جزء من «أرامكو»، وإصلاح الدّعم الحكومي، وفرض ضريبة الأراضي غير المطوّرة، وكذلك فرض ضريبة القيمة المضافة، ورسوم إضافية على العمال الأجانب من بين أمور أخرى، الأمر الذي يجعلها من المحتمل أن تحلّ محلّ ثلث الإيرادات المفقودة بتخفيض العبء الضريبي عن «أرامكو» بعد تخصيصها وتحقق مكاسب طويلة الأجل للمملكة، ونقلها من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع متين ومستديم، وتحويل المملكة إلى قوة مالية كبيرة، واعتبار ذلك الأساس لتحقيق «رؤية2030م».
وبين رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية، أن المملكة لم تغفل مع الإصلاحات الواسعة في قطاع النفط نهجها المعتدل في التعاون الدولي، والسلام، والتنمية الاقتصادية، حيث تسعى سياسة المملكة النفطية إلى استقرار سوق النفط بالموازنة بين العرض والطلب اعتمادًا على ما تملكه من احتياطيات ضخمة، وطاقة إنتاجية عالية، وطاقة فائضة، تمكنها من تلبية الطلب العالمي خلال المواسم المختلفة، وعند حدوث أي نقص في الإمدادات في السوق البترولية الدولية.