د. عبدالواحد الحميد
تعتبر المملكة من أكبر دول العالم إنفاقاً على السلاح، وهي تنفق مليارات الدولارات سنوياً على استيراده من الدول التي تملك التقنية المتقدِّمة في هذه الصناعة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها. وهذه حقيقة معروفة وليست سراً، وقد أشار إليها سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان في حديث تلفزيوني شهير، وأكد على أهمية تصنيع السلاح محلياً في المملكة في إطار رؤية المملكة 2030 .
وقد تم الإعلان مؤخراً أن صندوق الاستثمارات العامة سوف ينشئ شركة لتصنيع السلاح باسم الشركة السعودية للصناعات العسكرية وذلك لسد بعض احتياجات المملكة من الأسلحة بدلاً من استيرادها من الخارج، بالإضافة إلى تحقيق منافع اقتصادية وخبرة علمية وتصنيعية في هذا الحقل المتقدّم. طبيعة هذه الصناعة واعتمادها الكبير على التقنية والابتكار والبحث العلمي والاعتبارات السياسية التي تحيط بها تجعل اقتحامها ليس بالأمر الهين، لكن المعلومات المتوفرة عن المشروع الذي أعلنت عنه المملكة يدل على أن صانعي القرار قد أخذوا جميع هذه العناصر في الحسبان. وقد كنا نسمع في السابق عن مشاريع كبرى لصناعة السلاح في بعض الدول العربية، لكن تَبَيَّن لاحقاً أنها كانت فقاعات دعائية وذلك عندما دخلت تلك الدول في حروب مع إسرائيل ولم يَرَ أحدٌ أثراً لأسلحتها، بل كانت النتيجة هي الهزائم المتكررة والمزيد من الاعتماد على الأسلحة المستوردة من الشرق والغرب في ظل قيود صارمة على استخدامها. لكن المشروع السعودي، وفق المعلومات المتداولة، هو مشروع إستراتيجي اقتصادي يتشابك مع العناصر الأخرى في رؤية المملكة التي تنشد تنويع مصادر الدخل والخلاص من الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للدخل الوطني والدخول بقوة إلى نادي الدول الصناعية بعد أن تحقق لنا منذ سنوات الدخول في مجموعة العشرين التي تتكون من أكبر عشرين اقتصاداً في العالم. وحسب الخطة المعلنة، فإن الشركة ستكون ضمن أكبر خمس وعشرين شركة من شركات التصنيع العسكري في العالم بحلول عام 2030، وسوف تسهم بشكل مباشر في تحقيق 14 مليار ريال للناتج المحلي الإجمالي، وتوفر أكثر من أربعين ألف فرصة عمل معظمها في المجالات الهندسية والتقنية المتقدِّمة وأكثر من ثلاثين ألف فرصة عمل غير مباشرة وخلق المئات من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وغير ذلك من المنافع. سوف تسد هذه الشركة، عندما تقوم، ثغرة كبيرة تستنزف اقتصادنا وهي استيراد السلاح.
وبطبيعة الحال، لا نتوقّع أن تحقق لنا الشركة اكتفاءً ذاتياً في هذا المجال في المستقبل المنظور، لكنها خطوة هائلة إلى الأمام، نرجو أن تكلَّل بالنجاح.