د. حمزة السالم
دائماً ما يحدث خلط في التفكير الاقتصادي بسبب عدم التفريق بين النظرة الاقتصادية الجزئية والنظرة الاقتصادية الكلية. فالاقتصاد الجزئي والكلي لا يجتمعان إلا في المفاهيم الأدوات الرياضية، أما النتائج الاقتصادية للحالات الاقتصادية، فهي تتناقض على قدر تشابهها. فمثلاًَ دراسة حالة زيادة الطلب في إطار الاقتصاد الجزئي: سنجد أنه سيصاحبها ارتفاع أسعار مؤقت ينتهي بأسعار أقل وإنتاج كمية أكبر. أما لو كانت زيادة في الطلب العام سنجد ارتفاعاً دائماً للأسعار وقد لا ينتج عنه زيادة إنتاج.
فكمثال على حالة تُدرس ضمن الاقتصاد الجزئي أننا لو افترضنا أن مستشفى يعالج ألف مريض شهرياً، وعنده خمسة موظفين بين أطباء وممرضين يعملون ثماني ساعات يومياً، مع أخذهم لإجازة آخر الأسبوع. فلو ارتفع الطلب على العلاج لسبب أو لآخر، كتحول الدولة لنظام التأمين، أو كانتشار مرض ما، فسيرتفع الطلب العام على الطب. وسترتفع أسعار المعالجة. والسبب هو أن المستشفى سيطلب من الموظفين أن يعملوا 12 ساعة في اليوم ولا يتمتعوا بإجازة آخر الأسبوع. وهذا لن يتم له إلا برفع أجور الساعات الإضافية بضعف الساعات الاعتيادية، مما سيرفع متوسط الكلفة في العلاج الواحد. فإذا استمر الطلب مرتفعاً فهنا ينشأ حافز بناء مستشفيات جديدة بطواقم جديدة، مما يلغي كلفة العمل الإضافي فتنخفض الأسعار، وتزيد الكمية، وعقارات دبي في بداية زيادة الطلب عليها، هو مثال كذلك.
أما لو الحالة زيادة الطلب العام على السلع كلها، فهنا لا نرى نفس السيناريو الجزئي الذي ينتهي بعودة الأسعار للانخفاض بعد عمليات التوسع، فزيادة الطلب العام يعني زيادة الأسعار في السلع كلها، وهذا يعني أنّ عمليات التوسع ستكون بالكلفة المرتفعة لا بالكلفة الاعتيادية، ففي حالة زيادة الطلب الجزئي، فإنّ الأسعار لم تتغير بالنسبة لمواد البناء والعمالة التي ستُستَخدم في بناء مستشفيات بأطقم جديدة في حالة زيادة الطلب الجزئي. لكن في حالة زيادة الطلب العام فأسعار العمالة والمواد، فستكون هي الأخرى مرتفعة، مما يمنع رجوع الأسعار لمعدلها الطبيعي مع زيادة الإنتاج.
ولهذا لا تعود الأسعار العامة للانخفاض في حالة النمو وارتفاع الطلب، بينما تعود سعر سلعة ما للانخفاض بعد فترة.
ومن الأمثلة على الفرق بين الاقتصاد الجزئي والكلي، مثلاً في أساسيات حساب الأرباح من الأمثلة على الفرق بين الاقتصاد الجزئي والكلي. فالجزئي لا ينظر للتضخم مثلاً، وهكذا. كما أن الاقتصاد الكلي تختلف نتائجه في الاقتصاد المغلق عن المفتوح. فعقلية اقتصادي أمريكي في أيوا، لا يتوارد إليها مفاهيم الاقتصاد الكلي مما يسوقه للخطأ في النتيجة. فمثلاً في الأمثلة السابقة، افترضنا اقتصاداً مفتوحاً، وسلعاً استيرادية.
والشاهد مما سبق، أن الاقتصاد هو طريقة تفكير منطقية فطرية، إذا غلب على الإنسان اشتغاله في محيط ما، سينحصر فكره فيه ولا ينجح إذا خرج من محيطه. وهذا من الأسباب التي دفعتهم للتفريق في الدراسات العليا بين السياسات الاقتصادية الحكومية والخاصة . فهناك فارق مهم بين واضع سياسات التوسع لشركة أو مصنع، وبين واضع سياسات التوسع الحكومي. ولهذا لا ينجح عادة مدير شركة ناجح في إدارة وزارة حكومية. فتركيبة التفكير وطريقة النظر والفهم عند الإداري الجزئي، مختلفة كلياً عن تركيبة التفكير والنظر عند الإداري الكلي.