خالد بن حمد المالك
الرياض بامتداد صحرائها، وعبق تاريخها، ومن خلال بابها الكبير الذي يدلف منه اليوم زعماء العالم، وحيث تتنفس ويتنفس الزعماء بابتهاج على أول لقاء من نوعه، وأول جمع يضمهم بهذا المستوى في عاصمة العرب والمسلمين، بما لا يمكن أن ينظر إليه إلا على أنه حدث غير مسبوق، من حيث التوقيت والمكان والرموز الذين توافدوا إلى المملكة قلب العروبة النابض، أرض الأنبياء والرسل والصحابة والتابعين، ومهوى أفئدة المسلمين، ممن يتوجهون إلى مكة خمس مرات في اليوم في صلاة وتعبد وخشوع.
* *
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، يستضيف اليوم وغداً في هذه الأجواء الرئيس الأمريكي (الشجاع) دونالد ترامب، الذي حرك العالم بسياسييه وإعلامييه ومثقفيه باختياره للمملكة كأول ظهور له خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وقد أصبح هذا القرار التاريخي موضع تجاذب بين الساسة والإعلاميين، فإنه لم يؤثر على موقفه، أو يجعله يعيد النظر في قراره، أو يفكر في إرضاء معارضيه على حساب رؤيته التي لم يكتف بأن تكون الرياض أول عاصمة يزورها بعد توليه الرئاسة فحسب، وإنما نسق مع الأمير محمد بن سلمان لتعقد مع الزيارة مؤتمرات قمم ثلاث مع قادة المملكة ودول الخليج والعرب والمسلمين.
* *
ولا يمكن أن يختلف اثنان على أهمية زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة، ولا على أهمية عقد هذه القمم الثلاث، لكونها تأتي في ظل ظروف عاصفة اقتصادياً وأمنياً، وحيث يتنامى الإرهاب، ويضرب بقوة ليس في منطقتنا فقط، وإنما في دول العالم، بما يجعل من هذا الحدث مسيطراً ويأخذ كل هذه الأهمية، خاصة وأنه لا توجد دولة واحدة نستطيع القول إنها في مأمن من الإرهاب والإرهابيين، باستثناء إيران، التي نحن على علم ويقين ومعنا كل عقلاء العالم بأنها الدولة الوحيدة التي لا زالت خارج أهداف الإرهابيين، وأسباب ذلك معروفة لكونها تدعمهم، وتوفر لهم الملاذ الآمن.
* *
وما هو متوقع من زيارة الرئيس الأمريكي، واجتماعه بهذا العدد الكبير من زعماء دول العالم العرب والمسلمين، أن المجتمعين سوف يأخذون بقرارات ملزمة تحد من العمليات الإرهابية، إن لم تكن قادرة في القضاء على الإرهابيين وفق برنامج محدد، وفترة زمنية قصيرة، بما في ذلك التعامل بحزم مع من يكون في موقف الداعم والمساند لهم، سواء كدول أو منظمات وأحزاب أو حتى كأفراد، إذ إن الوصول إلى مفاصل العمليات الإرهابية لا يمكن أن يتحقق إلا حين يكون هناك موقف دولي جماعي، وتنسيق بين الدول، والتزام بما يتم الاتفاق عليه، وهذا ما يتوقع أن يكون ضمن القرارات الاستراتيجية التي ستتمخض عنها الاجتماعات.
* *
هناك غير الإرهاب قضايا وإشكاليات عالقة، تحتاج هي الأخرى إلى شجاعة الرئيس الأمريكي، وإلى تضامن الدول التي تشارك في هذا المحفل السياسي المهم، ولعل أهم هذه القضايا، وأكثرها ضرورة للخروج بما يعزز السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا وفي العالم، القضية الفلسطينية، وخيار الدولتين، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وإلزام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالاستجابة لما قررته الشرعية الدولية، وإلا فإن القضاء على الإرهاب، مع الاستمرار في تعليق حل الدولتين، سيكون أمراً غير ممكن، فهذه القضية يتاجر بها الإرهابيون، وتمثل حجتهم في زعزعة الأمن والاستقرار والسلام، وحل هذه القضية ليس بالعناد، ولا تنتهي بتهميش حقوق أي طرف، ولا أن يترك الحل بيد واحد من الجانبين، فالمبادرة العربية متاحة وهي الحل العادل.
* *
وعلى مستوى العلاقات السعودية - الأمريكية، فإن ما شابها من فتور خلال فترة الرئيس السابق أوباما، أمكن ترميمها في لقاء الرئيس ترامب بالأمير محمد بن سلمان، بدليل أن هذه الزيارة للرئيس الأمريكي جاءت خروجاً على التقاليد التي اعتادها كل الزعماء الأمريكيون السابقون للرئيس ترامب، حين قرر الرئيس ترامب أن تكون زيارته للرياض قبل غيرها من الدول، واضعاً باعتباره أهمية المملكة بمقدساتها، وقيادتها المعتدلة، وعلاقاتها الدبلوماسية المتميزة مع دول العالم، ورغبته في أن يعيد العلاقات الثنائية التاريخية بين المملكة وأمريكا إلى مسارها الصحيح، وأن يعزز الشراكة مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
* *
ومن المؤكد أن زيارة الرئيس ترامب واجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، سوف تكون أمامها قضايا كثيرة مفتوحة للنقاش، وتفاهمات مهمة على ملفات كثيرة لتوحيد الموقف من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وأن الرئيس كما هو الملك سوف يضعان كل اهتمامهما لصالح خدمة السلام والاستقرار في العالم، واستثمار هذه الزيارة في ترجمة الأفكار والآمال إلى واقع يخدم الدولتين والشعبين الصديقين والعالم أجمع.
* *
غير أنّ الأكثر أهمية سواءً في المباحثات الثنائية بين الملك والرئيس ترامب، أو بين الرئيس وبين زعماء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو في القمة التي ستجمع الرئيس الأمريكي بقادة الدول العربية والإسلامية الأكثر أهمية، أن يكون موضوع السلوك الإيراني على رأس قائمة الموضوعات التي يجب أن تأخذ حقها من النقاش، وصولاً إلى قرارات حازمة تخيف إيران، وتجعلها تعيد النظر في مواقفها، وتتوقف عن دعم الإرهاب، وإلا واجهت تعاملاً على نحو مختلف من التعامل الرخو الذي ساد فترة رئاسة أوباما للولايات المتحدة الأمريكية.
* *
وإذا ما كان سلوك إيران ضمن أولويات اهتمام الرئيس ترامب والقادة العرب والمسلمين في قممهم التاريخية، فلا بد من التذكير بخطورة التدخل الإيراني السافر في شؤون دول المنطقة العربية، وخاصة في العراق ولبنان والبحرين واليمن وسوريا، ومحاولاتها استخدام عناصر من مواطني هذه الدول في التأثير سلباً على الأمن والاستقرار، ما جعل الإرهاب لا يتوقف في هذه الدول، والإرهابيين يتزايدون، فيما أصبح الاستقرار فيها هشاً.
* *
على أنّ المفاعل النووي الإيراني، وعدم التزام طهران بما وقّعت عليه من اتفاقيات حول ترسانتها من المواد والأسلحة، فضلاً عن البرامج والأبحاث في هذا الشأن، والتسامح معها في كل خروقاتها، هو الذي شجع إيران، وجعلها مصدر إزعاج لدول المنطقة، وهو ما حفّزها لعدم الإذعان للقرارات الدولية، وجعلها تتصرف وكأنّ العالم مغيّب عن معرفة أهدافها التوسعية بالمنطقة، حتى ولو تطلّب ذلك استخدامها للأسلحة الفتاكة التي لم تتوقف جهودها في خداع العالم، باستمرار برنامجها في إنتاج بعض الأسلحة وتطويرها، بما يحقق لها إنجاح سياساتها التوسعية، وفتح الطريق أمام أطماعها.
* *
إنّ لجم التوجه الإيراني التوسعي ولو بالقوة، وإرسال رسالة واضحة وقوية وغير مهادنة إلى القيادة الإيرانية، بأنّ وقت الصمت والمجاملات قد ولّى، وأنّ إمكانية تمزيق الاتفاق الذي تم مع إيران بشأن برنامجها النووي سيكون وارداً، فهذا هو موقف الرئيس الشجاع دونالد ترامب المعلن خلال حملته الانتخابية، وعليها أن تعرف ما سوف تواجهه إذا استمرأت صمت العالم، ومررت سياساتها بعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة بينها وبين الدول الكبرى، وهي عموماً أجبن من أن تستمر في سياساتها، فقد لاحظنا التغيُّر في خطابها الإعلامي منذ دخول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وإعلانه عن مواقفه الحازمة من إيران.