عبدالعزيز السماري
أكَّد معالي وزير المالية محمد الجدعان، مساء يوم الأربعاء الماضي في مقابلة له مع الـ»سي أن أن»، أن المملكة بحلول سَنَة 2030 لن تهتم بأسعار النفط، حتى إذا وصلت «صفراً»، وأن الاقتصاد السعودي يمضي قدماً للابتعاد عن النفط كمصدر أساسي لنموه..
حقيقةً كان تصريحاً في قمة التفاؤل والتحدي، وفيه نبوءة أقرب لثقافة المعجزات التي نؤمن بها ونعيش فيها منذ قرون، ونعاني من شدة التعلق بها في وقت الأزمات.
ذهنية المعجزة هي تلك الخلفية التي تؤمن بحقيقة حدوث فعل في العالم المادي يخالف القوانين المتعارف عليها للطبيعة، أو يسمو على معرفتنا بهذه القوانين، حادث فوق العادي، شاذ أو مخالف لما هو معتاد، وقد يكون مصدره قوة أكثر تفوقاً من البشر..
ذهنية المعجزة هي ذلك الشغف المجتمعي الذي برز بعد نشر حادثة مقطع الفيديو عن الساحرة المزعومة، والذي انتشر كالنار في هشيم وسائل الإعلام خلال ساعات، وكأن السحر يستطيع أن يحدث المعجزة في حياة البشر، أو كأن ذلك الساحر القادم من بلاد الجوع والمرض يستطيع إحداث المعجزات وتغيير نواميس الطبيعة في بلاد المال والثروات الطبيعية.
ذهنية المعجزة هي أيضاً تلك العقول التي لا تؤمن بثقافة العلم والعمل، وكانت أسيرة للمعجزات مثل ما حدث أيام الجهاد الأفغاني من كرامات، أو أن خيولاً بيضاء نزلت من السماء لنصرة المجاهدين في أرض الشام ضد الطاغية، وكانت تبشر بقرب النصر على أعدائنا في كل مكان، ولو كنا أحد أكثر أمم الأرض تخلفاً في الصناعة والتقنية وأدوات الحضارة.
كان اكتشاف النفط أقرب للمعجزة في الجزيرة العربية بعدما كان أرضاً طاردة لسكانها منذ آلاف السنين..، لكن اكتشافه لم يكن في حقيقة الأمر معجزة، ولكن كان قراراً صائباً في الزمن المناسب، بينما كانت تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية بالفعل تحولاً معجزاً..
فالمجتمع الفقير مادياً تحول خلال سنوات إلى مصدر جذب للعمالة وأصحاب المهن من أنحاء العالم، وأصبح يعيش حالة إدمان كامل على عوائده المادية، لدرجة الشلل التام، وقد تختلف درجات الاستفادة من عوائده من فئة إلى أخرى، لكنها تتفق أطيافه على حالة الإدمان والكسل الذهني السائد..
خلال الثلاث عشرة سنة القادمة، قد نحتاج يا معالي الوزير إلى معجزة للوصول إلى مرحلة الاستغناء الكامل عن النفط في سنوات، ولكن التساؤل كيف ستحدث تلك المعجزة، وهل ستكون من خلال القوى الخارقة خارج المألوف، أم عبر إحداث ثورة صناعية واقتصادية في المجتمع السعودي خلال ثلاثة عشر عاماً؟
من أجل أن يحدث هذه المعجزة الاقتصادية لابد من جهود جبارة في تغيير أولاً عقول الناس وتوعيتهم مباشرة أن النفط سينتهي دوره في الطاقة قريباً، وثانياً أن يدرك المسؤول أن ثلاث عشرة سنة قصيرة جداً في حياة الشعوب، وأن العمل من أجل تجاوز هذا التحدي قد تأخر كثيراً، ولكن أن تبدأ متأخراً خير من أن لا تبدأ أبداً..
خلاصة الأمر أنني أتمنى أن تكون مُحِقاً في توقعك، ولكن عذراً يا أيها المعالي، فثلاثة عشر عاماً غير كافية للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الكامل عن النفط في السعودية، وأمر لا يمكن أن يحدث من خلال نواميس وقوانين الطبيعة البشرية المتعارف عليها في التجارب الناجحة في التنمية..