د. أحمد الفراج
وهكذا سجل التاريخ أن أول زيارة خارجية لرئيس أمريكي كانت لديار المصمك، وقبلة العرب والمسلمين، وهي سابقة لم ترق لأعداء المملكة داخليا وخارجيا، ففي الداخل ما فتئ الحزبيون، والذين أؤكد دوما أنهم أخطر الأعداء، بمساعدة من يمدهم بالأصفر الرنان، يحاولون بكل السبل إفساد هذا الحدث التاريخي، باستغلال اللغة الدينية العاطفية، الخالية من كل منطق، ويساندهم في ذلك حلفاؤهم من أتباع القومجية البائدة، الذين بلغ بهم السوء والخيانة الوطنية، أن يرددوا ذات لغة خصوم المملكة، وذلك بأن ترمب جاء إلى هنا ليحلب خيراتنا، وقد كنت أظن أن مثل هذا الطرح البائس قد انقرض، مع عبارات مثل «الامبريالية»، ولكنني كنت واهما، وتخيل أن أحدهم أعاد نشر كاريكاتير تم تصميمه في الضاحية، ونشرته وسائل الأعلام التابعة للجار المشاكس، والتي يديرها «المسيحي الإخواني» الشهير، رمز العمل الاستخباراتي المحترف!
ولأن اللوبيات المتنفذة التي تقبض بالتومان، تعمل بلا كلل، فقد تم تسخير صحف وكتاب غربيين للإيحاء بأن زيارة ترمب للمملكة دوافعها مادية بحتة، وكأن دول العالم تتعامل مع بعضها البعض من قبيل العمل الخيري، فكل دول العالم يوجد بينها تعاملات تجارية، وعلاقات المملكة الاقتصادية مع أمريكا تم تدشينها منذ عقود طويلة، والفرق هذه المرة هو أن هناك تطورا كبيرا ومستوى متقدما من العلاقات الاقتصادية، القائمة على الاستثمار المتبادل، ونقل التقنية، وهو جزء رئيس من رؤية المملكة، ولكن لوبيات الخصوم، سواء في طهران، أو حلفاؤهم ممن يزعمون صداقتنا، لا يروق لهم ذلك، فقد كانوا يضربون الدفوف، حينما تردت العلاقة بين المملكة وأمريكا، في زمن باراك أوباما، وزمن التثوير الاوبا- اخواني، وكانوا يتوقعون أن يستمر ذلك، لأنهم حديثو عهد بسياسة، وأصحاب نفس قصير، ولم يعلموا أنهم يتعاملون مع دول تضرب في أعماق التاريخ، وتجيد لعب السياسة بمهارة فائقة، لا يجيدها الهواة والمستعجلون!
المثير للسخرية هو أن هؤلاء الخصوم تحدثوا بسلبية، عن البرنامج الثقافي المصاحب لزيارة ترمب، لأن الهواة لا يدركون المغزى الكبير من وراء ذلك، فهذا ليس مجرد برنامج ترفيهي، بل رسالة سياسية، فالتقارب الثقافي جزء لا يتجزأ من اللعبة السياسية، فعندما يغني مطرب شعبي أمريكي، ينتمي لعمق الجنوب الأمريكي، في مدينة الرياض، فهذا يرسل رسالة واضحة بأن المملكة ليست بلدا معزولا كما يرغب الخصوم، بل بلد يسير في فلك هذا العالم الواسع، ومن خلال هذا المطرب الأمريكي الشعبي، يرسل ترمب رسالة لقاعدته الشعبية في الجنوب الأمريكي، مفادها أن المملكة ليست بلدا هامشيا، بل بلد مهم، والتحالف معه يصب في صالح الشعب الأمريكي، وذلك لأن معظم أنصار ترمب يرون أن أمريكا يجب أن تتخلى عن العولمة، وتعزل نفسها عن العالم، ولكن من يشرح ذلك لخصوم المملكة في الداخل والخارج، هذا إن كان يجب علينا أن نشرح لهم، والخلاصة هي أن علينا أن نواصل السير، وما ضر السحاب ضجيج بعض الكائنات غير الأليفة في الأرض!