د. محمد عبدالله العوين
يستطيع المؤرِّخ المنصف الذي يراقب حركة تطور الأحداث الكبرى في المنطقة ويرصد متغيِّراتها الفكرية والسياسية أن يعتبر كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وثيقة تاريخية هامة وتسجيل موقف شجاع وشفاف من الدولة المارقة صانعة الإرهاب «إيران».
لأول مرة يتحدث الملك سلمان بهذا الوضوح وبهذه المكاشفة في محفل رسمي كبير عن «إيران» بالاسم الصريح، وقد كان في مرات كثيرة سابقة ومناسبات مختلفة يومئ إيماءً ويلمح تلميحاً ويعتمد سياسة ترك الباب موارباً، فاتحاً طريقاً سالكاً لإقامة علاقة حسن جوار من خلال الحوار الذي يردم حفر الاختلاف والتباين ويعلي من شأن المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة والثقافات المتقاربة بين الشعوب في المحيط الإقليمي على مدى آلاف السنين.
ولكن الملك سلمان هذه المرة أعلنها مدوّية بصوت مملوء بالثقة والقوة والعزم على التصدي للأذى ودفع الحماقة واجتثاث تهور العمائم الغبية المغفلة التي تجثم على صدور الشعب الإيراني منذ الثورة المشؤومة التي قادها المقبور الخميني عام 1979م.
لقد أطلق خادم الحرمين الشريفين بعد الاتكال على الله وبشجاعة المؤمن الواثق بعقيدته الدينية وبسلامة ونقاء منهجه وبسمو رسالته وما تفرضه مسؤولية حماية الحرمين الشريفين والذود عن المملكة العربية السعودية وبلاد العرب والأمة الإسلامية من أخطار مستفحلة التهمت حرائقها أربعة بلدان عربية؛ هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكادت أن تبتلع البحرين، وأزت شياطينها الخونة في العوامية، ونشرت سمومها في قارات العالم، حيث يوجد مسلمون، مغيّرة منهجهم، وزارعة الكراهية والتحزّب في تلك الشعوب، سواء في قارة إفريقيا أو شرق آسيا، وغيرهما.
حتى فاض بنا الكيل!
هكذا تحدث الملك العربي المسلم سلمان بن عبد العزيز سليل الملوك ووريث ثلاثمائة عام من المجد والحكمة والبطولة والعزة والأنفة، وابن مدرسة الإسلام العظيمة وقيمه السامية النبيلة الراقية، والمتشرّب بكرامة وفروسية وشجاعة العرب على مدى تاريخهم الممتد آلاف السنين من خلال الموروث الأدبي الضخم؛ قصصاً تروى، وحكايات تنقل، وحكمة تتعلمها الأجيال في الشعر والنثر.
حتى فاض بنا الكيل!
لم يعد للصبر طاقة على الاحتمال!
لم يترك الأحمق المعمم الجاهل لنفسه فرصة للتراجع عن الجهالة والعودة عن الخطأ إلى جادة الصواب!
والأدهى والأمر أن ذلك العدو الأحمق الجاهل «ظن أن صمتنا ضعفا، وحكمتنا تراجعا»!
خمسة وثلاثون عاماً من الصبر ورباطة الجأش وضبط النفس وتجاوز السيئات والصمت عن الإساءات؛ ولكن للصبر حدود، وللحكمة نهاية، ولغباء العدو عندما لا يرعوي طريقة علاج وحيدة لا يغني عنها غيرها؛ وهي حسم المعركة باجتثاث الجهالة وبسحق الغباء وتأديب الناشز النافر المنحرف عن جادة الصواب.
لقد أعلن ملك الحزم قراره الشجاع بإنهاء حالة عبث «ولاية السفيه» في المنطقة العربية، وبدأت عاصفة الحزم في اليمن، ولن تنتهي بإذن الله إلا بخروج كل القتلة المجرمين من المليشيات وعودتهم إلى إيران؛ وقد دعا خادم الحرمين الشريفين زعماء خمس وخمسين دولة عربية وإسلامية للاجتماع والتشاور بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بعد أن استطاعت المملكة تغيير المفهومات الخاطئة التي كانت تنطلق منها توجهات الرئيسين السابقين.
وهكذا تم عزل العصابة المارقة التي تجثم على الشعب الإيراني وإخراجها من المحيط الإسلامي، واعتبارها شاذة مصنفة على أنها صانعة الإرهاب وناشرة الشر، وتم الاتفاق على ضرورة البدء في تقليص نفوذها وإخراج قتلتها من بلدان العرب ومراقبة الأموال التي تدعم بها عصاباتها وأحزابها المجرمة.
وإذا كانت الكلمة الوثيقة تعد منهج عمل وتبياناً لموقف المملكة المنفتح المتسامح من الحضارات والثقافات الإنسانية؛ بعيداً عن التصنيف على أساس ديني أو طائفي؛ فإن مجرد انعقاد القمم الثلاث وحضور خمس وخمسين دولة للحوار مع رئيس أكبر دولة في العالم لاتخاذ ما يلزم لمعاقبة عصابة قم يعد انتصاراً معنوياً قبل أن يكون انتصاراً عسكرياً وسياسياً يعيد الفأر المارق المعمم إلى جحره.