م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. التحذير من الاستماع إلى العامة مطالبة قديمة.. نادى بها فلاسفة الإغريق ومن تبعهم إلى يومنا هذا من خلال مقولات ودعوات للنخب الفكرية والثقافية.
2. المقولات الاستعلائية الصادرة من النخب.. والاحتقار للجماهير والدعوة إلى صدهم عن الكلام وإبداء الرأي، بدأها فيلسوف الإغريق الشهير (سقراط).. حيث حذر من الاستماع للعامة وقال: (آراؤهم ما هي إلا أوهام ستقود المدنية إلى الضلال).
3. وقد ألّف العرب المسلمون كتباً عن العامة والتحذير من خطرهم إن سُمِح لهم بالتعلُّم وإبداء آرائهم.. فمثلاً أبو حامد الغزالي ألّف كتاباً عنوانه: (إلجام العوام عن علم الكلام).. وألّف القاضي محمد بن إسحاق كتاباً آخر عنوانه: (مساوئ العوام وأخبار السفلة الأغتام).. أما الجاحظ فقد حشا كل مؤلفاته بذم العوام بمختلف مسمياتهم.. والحال هو ذات الحال إلى يومنا هذا.. هذا التعالي النخبوي ما مصدره؟.
4. يقال إن السبب هو خوف النخب الفكرية من المنافسة.. فهم يرون أن الكلام والتفكير وإبداء الآراء حق خاص بهم وحدهم.. ودخول عامة الجماهير إلى ميدانهم المعرفي تهديد صريح.. وهناك من يقول إنّ المفكرين والمثقفين على حق.. وانظروا اليوم إلى حال وسائل التواصل الاجتماعي حينما يغرد مثقف كيف أن العشرات من العوام السطحيين يعلقون على تغريدته بجهل أو وقاحة أو قبول مطلق.. فهم (طبقاً لأصحاب هذا الرأي) ليسوا إضافة بل قطيع من الغوغاء ويجب التعامل معهم كذلك.. فإن أتحت لهم أن يكون لهم رأي أو قول فهنا سوف يتناثر القطيع!.
5. وهناك من يقول: نعم؛ من حق كل شخص أن يكون له رأيه المستقل.. وكل إناء بما فيه ينضح.. لكن المشكلة أنهم وسيلة ضغط جماهيرية رهيبة يستخدمها بعض المؤثرين ويوجهونها لإرهاب مخالفيهم وخصومهم!.. وأصبح من الممكن الآن استخدام هؤلاء الغوغاء ضد أي أحد.. كما فعل أسلافهم تجاه الطبري في بغداد وفعلوه في ابن رشد في قرطبة.. وأصبح من الممكن أيضاً فرض رأي الأقلية على الأكثرية كما يفعل أصحاب المؤسسات الإعلامية في العصر الحديث، حيث يوهمون الغالبية أن رأي أصحاب تلك الوسائل هو رأي الأكثرية.
6. وصف الكاتب الإيطالي (أمبرتو إيكو) المشاركين في تويتر وفيسبوك: (بفيالق الحمقى) الذين كانوا يثرثرون في الحانات ويتم إسكاتهم.. واليوم أصبح متاحاً لهم ذات المساحة التي يحصل عليها العقلاء ولا أحد يلجمهم.
7. ما هو رأيكم أنتم؟.