د. جاسر الحربش
علِّموهن قبل الزحمة وتكدس الطوابير أمام مدارس القيادة، المستقبل لا يتوقف احتراماً للماضي أو خوفاً منه، المستقبل أيضاً ليس إنتاج مجتمع واحد بذاته لذاته وإنما توليفة من إنتاج عدة مجتمعات. كلما صغرت المسافات وزاد التواصل وكثرت الحاجات انتشرت المشاركات المتبادلة. هذه الحقائق تصدق أولاً وبالكامل على نواتج العقول البشرية المحسنة لظروف الحياة، كالغذاء والدواء والمياه النقية ووسائط النقل السريعة والمريحة، ثم على نواتج العقول المحسنة للتعامل البيني داخل كل مجتمع بذاته ومع المجتمعات الأخرى، مثل مفاهيم الحريات وتوفير الكرامة والعدالة للإِنسان دون اعتبار للعرق والجنس والوجاهة والثروة.
مسألة التشارك في العقائد والأديان والثقافات والتقاليد التي تحدد لكل مجتمع خصوصياته التعبدية والأخلاقية بالذات، هذه تفاصيل يجب أن تحكمها التشريعات والقوانين النابعة من المجتمع ذاته، ولكن بعد إعادة النظر فيما هو صحيح وثابت وضروري ومحصن للفرد والمجتمع، وبين ما هو مجرد وهم منقول لا يصمد لتمحيص النصوص والمقاصد والحاجات.
في هذا السياق أريد أن أتحدث في مسألة تعليم المرأة السعودية البالغة الراشدة قيادة السيارة تحديداً من قبل أهلها وذويها وليس من قبل أجنبي، منذ الآن وقبل أن يتفاجأ المجتمع بصدور نظام سيادي مدعم شرعياً برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة الذي كان في السابق مفروضاً لأسباب اجتماعية.
مؤشرات المستقبل تؤكد أن نظام وتنظيم قيادة المرأة السعودية للسيارة سوف يصدر، ليس طوعاً وإنما لضرورات معيشية وصحية وأخلاقية وإنتاجية، تتيح لنصف المجتمع أن يعتمد على نفسه في حق لا لبس فيه داخل الفضاء الاجتماعي العام الذي يجب أن يراقب الرجل والمرأة بنفس الطريقة.
اعتماداً على ما حدث من استجابات سابقة لمتطلبات المستقبل بعد تمنع شديد، في مجالات التعليم والإذن باقتناء الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي والحركة السياحية بالملايين إلى كل بقاع الأرض، أقول لكل أب وأخ وأهل بيت إن المرأة سوف تحصل على النظام والتنظيم الذي يمنحها قيادة السيارة بنفسها دون الاعتماد على سائق أجنبي لا تعرفه، لكنه يستطيع بسرعة جمع المعلومات عنها وعن أهلها وحاجاتها واحتياجاتها من حيث لا تدري ولا تتوقع.
قبل الزحمة وتكدس الطوابير: علِّموا نساءكم القيادة بأنفسكم يحفظكم الله.