خالد بن حمد المالك
اعتادت قطر أن تتعامل مع قضايا دول المنطقة كما لو أن قطر لها وزن سياسي مؤثر، أو أنها صاحبة قرار ومواقف يحسب لها الحساب الذي يتناسب مع حجم وخطورة ما قاله الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمس، كما اعترف أميرها بأن لا حيلة لحمايتها من جيرانها تحديداً دون الاعتماد على قاعدة العديد الأمريكية في بلاده، ويلاحظ أن سمو الأمير يناقض نفسه حين يقول عن الرئيس الأمريكي ترامب بأنه يواجه مشكلات قانونية في بلاده.
* * *
والأمير الشاب بتصريحاته المتناقضة التي أطلقها أمس، أثار الكثير من الاستغراب، لكونها لا تخدم الاستقرار في المنطقة، ولا تؤدي إلا إلى مزيد من العزلة لقطر والتوتر في المنطقة، كما أنها بشكل أو بآخر تكشف عن الوجه القبيح للسياسة القطرية.
* * *
لقد جاءت تصريحات أمير قطر سمو الأمير تميم لتكشف عن المخبوء في السياسة القطرية التي حاولت الدوحة في فترات سابقة أن تخفيها، لكنها أمس أظهرت ما كانت تبطنه بتصريحات الأمير التي لا يمكن أن يُنظر إليها إلا أنها تخدم إسرائيل وإيران، ويبدو أن سموه وفي لحظات غضب وجد نفسه محاطاً بأسباب توهمها ليقول عن إسرائيل وحماس وإيران ما قاله، وأن يغمز إلى موقفه غير الودي من المملكة.
* * *
يقول الأمير الشاب - ما معناه - إن علاقته جيدة مع إسرائيل، وأن حماس هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، يضيف أن إيران يجب عدم معاداتها، ويواصل أن قطر في وضع المهددة بالاعتداء عليها من جيرانها، وأن قاعدة العديد الأمريكية هي من سوف تحمي قطر من جيرانها، هكذا تحدث الأمير أمس، وما خفي أعظم وأخطر، فكيف تلجم مثل هذه السياسة، ويقال على رسلك سمو الأمير.
* * *
يبدو أن نجاح قمم الرياض لم تُرض أمير قطر، وأن ما قاله الرئيس الأمريكي عن المملكة قد أثار حفيظته، وربما أنه كان ينتظر دورا أكبر لتلعبه قطر خلال قمم الرياض، وقد خانت سموه اجتهاداته من أن يُقدر المواقف تقديراً صحيحاً، وفات عليه أن من يحمي قطر هي المملكة لا القوات الأمريكية التي تتواجد في بلاده.
* * *
أهم شيء في تصريح أمير قطر ورغم خطورته، أنه وضع العالم العربي أمام حقائق خطيرة عن السياسة القطرية، ربما كان لا يعرف تفاصيلها، لكنه اليوم وعلى لسان أمير قطر أصبح على دراية ومعرفة ويقين لماذا تضيع حقوق العرب، وتنتهك مصالحهم، وتعرض استقرار وأمن دولهم للخطر.
* * *
الأمير القطري بتصريحاته الخطيرة يستحق الشكر والتقدير، إذ إن الاختفاء وراء الكلمات «المعسولة» والخطب المثالية، أخطر بكثير من الظهور والإعلان عن المواقف الحقيقية، كما فعل أمير قطر أمس، حين اعترف بإسرائيل بشكل غير مباشر، بالقول إن علاقات قطر بها جيدة، وحين نفى أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لفلسطين، معتبراً أن حماس هي ذلك، ونافياً معاداة إيران للعرب وللسعودية تحديدا، منددا بمن يختلف معها لكونها دولة إسلامية.
* * *
هذا كلام خطير، استهدف به الأمير المملكة بكل وضوح ولم يكن في مجمل حديثه أو في تفاصيله مترددا في الكشف عن السياسة القطرية الحقيقية، ومن المؤكد أن هذه السياسة ليست طارئة، وليس فيها ما يمكن القول إنها جاءت مفاجئة، فالذي يتابع المواقف القطرية من مصر ومن منظمة التحرير الفلسطينية ومن تعاونه مع إيران واختلافه من حين لآخر مع المملكة والبحرين والإمارات، ودعمه للنظام السوري ضد الشعب السوري الثائر، يعرف حقائق الأمور، ويدرك أن قطر لوحدها أو قطر مع قناة الجزيرة تُستخدم للإضرار بجيرانها أولا وبالدول العربية ثانيا وأنها تلعب دوراً أكبر من حجمها، وأن هذه السياسة ومثل هذا الموقف بلا قيمة أمام المواقف الثابتة والسياسة الحكيمة التي تقود بها المملكة أشقاءها العرب والمسلمين أمام التحديات الكثيرة التي يواجهونها.
* * *
لقد أدركت الدوحة خطورة التصريحات التي أدلى بها أميرها، وردود الأفعال المرحبة بها من حماس وحزب الله والإخوان المسلمين وإيران، وما قابلها من ردود مستنكرة من قبل الحكماء والعقلاء من مختلف دول العالم وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية، ما جعلها تزعم بأن وكالة الأنباء القطرية «مخترقة»، لتدعي لاحقاً عدم صحة ما نُسب إلى الأمير تميم، وهو ما لا ينطلي على العارفين بخفايا الأمور وبالسياسة القطرية، وتعاطيها أمنياً وسياسياً مع إسرائيل وإيران.
* * *
غير أننا نتمنى أن يكون هذا الموقف القطري غير المقبول هو الأخير في خروجها عن الصف الخليجي والعربي، وأن تدرك الدوحة أن قوتها وسلامة أراضيها لا يتحققان إلا بالانسجام والتعاون مع الدول الخليجية والعربية، وأنه لا يمكن لها أن تحافظ على تماسكها في غيابها عن الإجماع العربي في مواقفه وسياساته.
* * *
ولعله من باب التذكير، أن نقول لقطر إن قوتها من قوة دول الخليج وليس العكس، وأن أمنها واستقرارها وحمايتها من أطماع إيران وإسرائيل، إنما هو بالاعتماد على جيرانها، وليس على القوة الأمريكية التي تتواجد في قطر.
* * *
ولعل قطر تتعلم عند الإعلان عن مواقفها السياسية والاقتصادية والأمنية ممن يزيد عنها في الخبرة، ويتفوق عليها بالتجربة، ويتمتع أكثر منها بالقوة العسكرية، والعلاقات الدولية، وأن تبدأ من الآن في أخذ هذه الدروس من أقرب الدول لها، من جيرانها العرب الخليجيين الذين تصور سمو الأمير أن قطر قد تتعرض لتهديداتهم.