عبدالعزيز السماري
تلفت نظري أحياناً بعض الكلمات التي نستخدمها بشكل مكثف، ولكن قليلاً ما نتساءل عن أصلها، وأحد هذه الكلمات هو مصطلح خرابيط، وهو كلمة يبدو من صوتها أنها لهجة دارجة، وتعني الأشياء التي لا قيمة لها أو أصل..
لكنها في حقيقة الأمر تحوير لفظي لكلمة مخاريط، وهي كلمة لها أصل بالفعل في لسان العرب، وجذرها «خرط» أي انتزاع الأشياء من جذورها أو الأوراق من سيقانها، ثم وضعها في غير مكانها، وقيل فلان خراط أي ينتزع الكلمات من سياقها، ويضعها في مكان غير مناسب..
كنت أجد صعوبة في توظيف كلمة خرابيط في جملة مفيدة، وأعتقد أنني وجدتها عندما قرأت مؤخراً عن بعض أفكار الطاقة أو النشاط التنظيمي لدعاة وداعيات الطاقة والكارما، ونشوء تجارة من نوع آخر حولها، حيث تقوم بعض النساء والدعاة السابقين في القيام بدور الداعية للأفكار الجديدة، وهي تقوم على أفكار منزوعة من أيدولوجيات شرقية، ثم محاولة تقديمها في قالب ديني وعلمي، وبرغم من أنها لا تمت بصلة للعلم الحديث.
عندما تسمعهم يتحدثون عن الطاقة ، يتبادر إلى ذهن المرء تلك الإنجازات التي غيرت مجرى التاريخ في علوم الفيزياء، ولكن عندما تتطلع على تفاصيلها تكتشف أنك أمام ظاهرة خرابيط بكل ما تعنيه الكلمة، فالخرط كان جوهراً في أطروحاتهم التي لا تخدم على الإطلاق برامج التنمية والعمل، ولكن تخرجنا من باب ظلامي إلى آخر...
الكارما أو قانون الجزاء يروّجون لها كنظام كوني قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة إما في الحياة الحاضرة أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء كما أنها دار الجزاء والثواب، وكما ذكرت كلمات تم تلفيقها أو استعارتها من أجل أغراض أخرى.
يقدمون الطاقة الروحية كحالة مرتبطة بموجات الدماغ، ويحاولون بيع الوهم للنساء المقموعات أو اللاتي يبحثن عن خلاص من حياتهن الكئيبة، من خلال الإيمان بقوانين دنيوية وهمية، ومثالها أن ترديد كلمة أنا ناجح قبل النوم هو أحد طرق النجاح في الحياة، وأن الطاقة السلبية مصدرها الكائنات من حولك..
من أفكارهم الخرطي أن شجرة الصبار تجلب الطاقة السلبية، ويحذرون من الورود المجففة لأنها تصدر إشعاعاً سلبياً في أنحاء البيت، ويبشرون أتباعهم أن بخور القرفة وبخور العود وبخور الصندل وبخور اللبان الذكري وبخور الزعفران، مصدر من مصادر الطاقة الإيجابية، ومن باب العلم بالشيء قد يؤدي الإفراط في الأدخنة في المنازل إلى حالة تسمم، وإلى ندرة الأكسيجين فيه الهواء، وزيادة خطرة في أول أكسيد الكربون السام..
هي حالة اجتماعية هدفها طرح عقدي عصري للدين في قالب فلسفي على طريقة أخوان الصفا، ويحاول بعضهم ربط هذه الأفكار بآيات القرآن، وقد تلامس في بعض جوانبها البعد الديني في عواقب الأفعال الطيبة الخبيثة في الدنيا والآخرة، والمدهش في الأمر أن بعض الدعاة والقضاة السابقين ركبوا الموجة وأعجبتهم فكرة الكارما، وكتبوا عن الكارما في الإسلام، وبدأوا بالتبشير عنها على طريقتهم في الوعظ..
لست من الذين ينكرون على الآخرين أفكارهم أو خياراتهم في القراءة، لكنني وجدت طرحها التنظيمي حالة خروج عن خطط التعليم والتنمية، وتعبر عن حالة غير عقلانية تقوم على نشر الأحلام والتخيلات التي هي أبعد ما تكون عن المواجهة العملية للتحديات في الحياة، وربما تبدو حالة للسيطرة على عقول اليائسين، لكنها بالتأكيد لا تخدم تحدياتنا المعاصرة.
ليسمح لي أولئك الذي يحاولون تقديمها في قوالب أكاديمية من خلال تنظيم دورات للترويج عن بعض أفكار الوهم التي لا تمت للعلم والأكاديميا بصلة على الإطلاق، أن أقول لهم إن هذه الأفكار «خرابيط» أو بعبارة أخرى «خرط فاضي» من ثقافة العمل والعلم الحديث...