«الجزيرة» - أوتاوا - تهاني الغزالي:
إن النجاحات التي يحققها الأطباء السعوديون الدارسون والمتدربون في كندا شكلت حافزاً للجامعات الكندية في زيادة فرص قبول الأطباء السعوديين في برامجها التعليمية والتدريبية، ولأن النجاح ليس هبة تمنح لأي فرد إنما هو ثمرة جهد وعمل متواصل ومعالي الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة المتخرج من جامعة ألبرتا الكندية واحد من هؤلاء الأطباء الذين تخرجوا من كندا ووضع بجهوده الدؤوبة في التميز نفسه في خارطة العالم الطبية وصار طبيباً عالمياً في مجال تخصصه في جراحة الأطفال، بعد أن قدم أكثر من 42 ورقة عمل في ندوات وورش عمل في داخل المملكة وخارجها بالإضافة إلى مساعدته في تأليف وكتابة أكثر من 47 ورقة عمل وبحوث محكمة وكتب، كما أجرى 34 عملية فصل توائم ملتصقة، وتابع حوالي 50 حالة طفل رضيع يعاني من مشاكل صحية في البنكرياس، وأشرف كذلك على حالة أكثر من 50 مريضاً عانى من حروق كيمائية، حرصنا على أن نحاور معاليه أثناء زيارته الرسمية لكندا لنتعرف منه على رحلته المهنية وتجربته في الدراسة والتدريب في كندا في جامعة ألبرتا الكندية في أوائل الثمانينات، ورأيه في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.
* في البداية نود أن نتعرف على تلك الحادثة التي وقعت لمعاليكم في الصغر ودفعتكم لأن تصلوا لما وصلتم إليه في مجال تخصصك؟
- نشأت مثل أي طفل في المجتمع السعودي في أسرة متوسطة الحال في مدينة الرياض وكان أبي حريصاً على أن أدرس وأن أتدرب على ركوب الدراجة فأهداني دراجة صغيرة وشجعني على استخدامها ولكني لم أحسن استخدامها فكنت أتسابق مع أبناء عمي وإخوتي في المنزل، فاختل توازني وانشقت رأسي وسال الدم على وجهي وأخذني أبي إلى المستشفى الوحيد الموجود آنذاك المسمى بالشميسى الذي يسمى الآن بمجمع الملك سعود الطبي، وكانت وسائل التطبيب في ذاك الوقت لم تكن بالمستوى الذي وصلنا إليه الآن، حيث قام الجراح بخياطة الجرح بدون تخديري بالبنج وبإبرة كبيرة مما جعلني أشعر بالغضب والألم الشديد من الطبيب حينئذ حرص والدي على أن يطيب خاطري وقال لي: «إن شاء الله تصبح يوماً جراحاً وتعالج الجروح بدون ألم» ومن هنا بدأت نقطة التحول في حياتي بعد أن رسخت كلمة والدي في ذهني وبذلت الكثير من الجهد أن مكني الله بفضله بدراسة الطب وتحقيق حلمي وحلم الوالد في مساعدة الناس في مجال الجراحة.
* لماذا اخترت تخصص جراحة الأطفال بالذات؟
- عندما التحقت في كلية الطب بجامعة الملك سعود وفقني الله بإنهاء دراستي بتفوق وتم اختياري لأن أكون معيداً في الجامعة، وعندما ألتقيت بعميد الجامعة آنذاك الدكتور حسن كامل -رحمه الله- واللجنة التي تختبرني والمكونة من مجموعة من أعضاء هيئة التدريس سألني الدكتور حسن أي تخصص تختار؟ فقلت: «أنا أحب الأطفال والجراحة» فقال لي: «إذن لتكن جراح أطفال واخترت هذا التخصص الذي لم يكن معروفا آنذاك بالمملكة بعد أن كنت في حيرة من أمري، وتم اختياري كمعيد وكان علي أن أختار الدولة التي سأدرس فيها هذا التخصص خارج المملكة وشجعني الدكتور حسن في ذلك الوقت على دراسة هذا التخصص في كندا التي لم أكن أعرف عنها سوى أنها بلاد الثلج، فترددت في البداية ولكنى بعد ذلك توكلت على الله وقررت الدراسة في كندا خاصة أنه لم يكن هناك الكثير من الأطباء المبتعثين في ذلك الوقت إليها.
* ما هي أهم الصعوبات التي واجهتك خلال فترة ابتعاثك وهل كانت حياتية أو تعليمية أيضاً؟
- في الواقع كان هناك الكثير من التحديات في بداية الابتعاث في أوائل الثمانينات أولها أنه لم تكن هناك مقابلات كما هو معمول به الآن ولهذا كان علي عمل امتحان القبول في السفارة الكندية في الرياض قبل السفر والحمد لله تم اجتيازه، ولكن التحدي الحقيقي كان عند القدوم إلى كندا التي لم أكن أعرف عن مدنها أي شيء، وكانت خبرة المقابلات مع الجامعات التي ساعدتني الملحقية الثقافية في التواصل معها في كل من فانكوفر وإدمنتون ووينبيق تحدياً نظراً أنه لم تكن هناك فكرة واضحة عن إمكانيات الطبيب السعودي لدى الجانب الكندي، ولهذا كانت الصعوبات التي واجهتها كمبتعث بعضها حياتي متعلق بطبيعة التأقلم مع عدد من الأمور منها الظروف المناخية التي لم نعهدها في بلادنا والمختلفة تمام الاختلاف وكذلك فرق التوقيت، والأصعب من ذلك الاختلاف الثقافي في العادات والتقاليد فما كان يضحك زملاءنا الكنديين كان لا يضحكنا وما كان يضحكنا يعد أمراً غريباً بالنسبة لهم على سبيل المثال بالإضافة للشكوك التي كانت تحيط بنا كمتدربين سعوديين واعتقاد القائمين على تدريبنا بأننا لن نتمكن من مواكبة إمكانيات الطبيب الكندي.
وكذلك اختلاف الثقافة الطبية والممارسة الطبيبة فالنظام المعمول به في المملكة أقرب للنظام الأوروبي على حين أن النظام الطبي في كندا كان يضع الكثير من المسؤولية على عاتق المتدرب وهذا في حد ذاته تحدٍ تطلب مني ومن زملائي بذل المزيد من الجهد لتحسين الصورة العامة عن الطبيب السعودي وإثبات الذات والحمد لله تُوق هذا الجهد بحصولنا على درجات أعلى من المعدل الكندي المطلوب.
وهنا أود أن أنقل باسمي وباسم زملائي الأطباء الذين درسوا وتدربوا في كندا شكراً خاصاً للملحقية الثقافية التي عملت طوال تلك السنين منذ تأسيسها على تذليل أي عقبات تحول بيننا وبين تحقيق ما ابتعثنا من أجله إلى جانب جهودها الحثيثة في زيادة عدد المتدربين والدارسين في الجامعات الكندية.
* ما هي أهم الأمور التي اجتذبتك في البيئة الأكاديمية الكندية وتمنيت أن تنقلها إلى المملكة بعد عودتك إلى أرض الوطن؟
- من أهم الأمور التي جذبتني عند الدراسة في كندا الثقة التي توضع في المتدرب الذي تقع عليه مسؤولية كبيرة فكنا نبدأ يومنا التدريبي من الصباح ونواصل العمل في المستشفى لساعة متأخرة في الليل، وهذا الوقت الطويل كان يمنحنا الفرصة لصقل مهاراتنا بصورة مكنتنا في النهاية من الاعتماد على أنفسنا وزادت من ثقتنا في قدراتنا. والأمر الثاني أن البرامج التدريبية التي تقدم كانت تقدم في هيكلة متكاملة ومتراكمة ومدروسة على أسس علمية وممتدة لمدة تصل إلى خمس سنوات جعلتنا في نهاية البرنامج استشاريين يمكن الاعتماد عليهم، وهذا بالطبع لم يكن متوفراً على الأقل في البيئة التدريبية في المملكة في ذاك الوقت، ولهذا لما عدت أنا والمئات من زملائي استطعنا بفضل الله من خلال الهيئة السعودية للتخصصات الطبية من عمل مثل هذه البرامج المبنية على أسس علمية مدروسة، والحمد لله صارت الهيئة الآن تقدم تدريباً موازياً للتدريب في الدول المتقدمة.
* زرت كندا كمبتعث ثم بعد ذلك مرات عديدة كمسؤول هل وجدت أي فرق في نظرة القائمين على تدريب الأطباء السعوديين؟
- في الثمانينات كان هناك تخوف وقلق من قبول الأطباء السعوديين في البرامج التعليمية والتدريبية في الجامعات الكندية، ولكن مع مرور الوقت تحول هذا القلق إلى ثقة لمستها بنفسي خلال زياراتي لكندا كمسؤول وصارت الجامعات الكندية الآن تطلب المتدرب السعودي والدليل على ذلك أن الجامعات الكندية قبلت هذا العام 2017م لأول مرة 444 طبيبا/ طبيبة منهم 103 لمرحلة التخصص العام (الزمالة الكندية) و341 لمرحلة التخصص الدقيق وهذا كان يعد حلماً لنا في السابق حيث كان لا يتجاوز عدد الأطباء المقبولين في البرامج التدريبية في كندا عن أربعة أو خمسة على الأكثر في العام الواحد، ولهذا نتوجه بالشكر للملحقية على جهودها الحثيثة خلال العشرين سنة الأخيرة في دعم وتقوية العلاقات السعودية الكندية في مجال التعليم والتدريب في المجال الصحي.
* أكدت الكثير من الطبيبات المبتعثات لكندا اللاتي تم مقابلتهن من قبل أن أكبر تحدٍ واجههن هو عدم الثقة في قدراتهن على النجاح فما تعليق معاليك على ذلك؟
- أشيد بالمرأة السعودية التي أثبتت للعالم أنها قادرة على الدراسة والعمل والتميز حتى في أصعب التخصصات وأشيد بوجه الخصوص بالطبيبات السعوديات اللاتي تميزن ليس فقط في مجال تخصصهن بل في نوعية التخصص التي اخترنها، على سبيل المثال في مجال (جراحة العظام ـ القلب ـ الأطفال) وهي تخصصات تعد قاصرة على الرجل حتى في البلدان المتقدمة مثل كندا، ولهذا أعد الطبيبة السعودية على أنها واجهت تحديات أصعب عند ابتعاثها لكندا لأنها حين قدمت للدراسة هنا كانت النظرة والفكرة المرتبطة بها دائما هي عدم قدرتها على الإنجاز والتميز، لأن هناك اعتقاداً ثقافياً بأن المرأة السعودية امرأة معزولة غير قادرة على العمل، ولكن اجتهادها وتميزها غير تلك النظرة بعد أن لمس الكنديون عن قرب جهودها في تطبيب المرضى الكنديين بنفس الكفاءة التي تقدمها الطبيبة الكندية.
ولهذا كثيراً ما قلت خلال زيارتي كمسؤول للمسؤولين عن تدريب الطبيبات لكي تكون المعادلة عادلة في الحكم على الطبيبات السعوديات اللاتي قدمن إلى كندا للدراسة في ظروف مناخية وثقافية مختلفة بالإضافة إلى اختلاف اللغة، لا بد أن يكون هناك تبادل للطبيبات الكنديات ليتدربن في المملكة ليدركن حجم التحديات التي تواجهها الطبيبة السعودية في بلدهم.
* زيادة عدد الأطباء المقبولين في البرامج التدريبية في الجامعات الكندية هل يعد علامة على النجاح في الاستثمار في المجال التعليمي والصحي أم ما زال هناك قصور في هذا الجانب؟
- في الواقع أن ارتفاع نسبة قبول الأطباء السعوديين في البرامج التعليمية والتدريبية في الجامعات الكندية جهد لا بد من الإشارة إليه والشكر عليه، فنحن نثمن الجهود التي قدمتها الكلية الملكية للأطباء والجراحين الملكية الكندية وكذلك الجامعات على إتاحتها الفرصة لقبول عدد كبير من أطبائنا وهذا يعد أمراً ممتازاً وعلامة على التميز وقوة ومتانة الجهود التي تبذلها الملحقية الثقافية السعودية في كندا لتوطيد العلاقات التعليمية والتدريبية بين المملكة وكندا وخاصة في المجال الصحي خلال العشرين سنة الأخيرة، ولكن بالنسبة للعلاقة بين وزارة الصحة في المملكة وبين وزارة الصحة في كندا ما زال أمامنا مشوار طويل ونحن في حاجة لعمل شراكات في مجالات صحية أكثر من مجرد التعليم والتدريب، وأنا خلال عملي كوزير للصحة حاولت أن أزيد من فرص الشراكة بين البلدين، ونأمل أن تكون الفرصة أفضل في الأيام القادمة وأن تزدهر تلك الشراكة كما ازدهرت في المجال التعليمي والتدريبي.
* ما هي الكلمة التي تحب أن تقولها للمبتعثين بصفة عامة والأطباء المبتعثين بصفة خاصة؟
- كمبتعث سابق أرى أن برنامج الابتعاث الذي قدمته المملكة للمبتعثين والمبتعثات يعد فرصة ثمينة جداً للنهل من العلم في مدارس علمية عريقة في أوروبا وأمريكا لهذا على كل مبتعث أن يحسن الاستفادة من هذه الفرصة الطيبة وأن يكون سفير خير وبركة لبلاده وأن ينقل من خلال تفاعله مع المجتمع المستضيف الصورة المشرقة عن بلاده وألا تقتصر جهوده في الدراسة فقط، ونطمح أن يوسع من نشاطه في مجال البحث العلمي وأن يكتسبوا تفاصيل عملية التعليم ويتعرفوا على الأسس التي أقيمت عليها تلك البرامج التعليمية، ليرجعوا إلى بلادهم وهم مسلحون بما يحقق الغرس الذي غرسه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من أجل دفع عجلة التنمية والتطور في المملكة العربية السعودية.