«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
فيما مضى من زمن وبالتحديد عندما كنا أطفالاً، كنا نفرح الفرح كله عندما نشعر بأنّ هناك أموراً غير عادية تجري في بيوتنا. قبل أيام من قدوم الشهر الكريم، كان الاستعداد المبكر لاستقبال الشهر الكريم. شهر رمضان يكاد يكون الشغل الشاغل لكل المسلمين في بلادنا وغير بلادنا، أما نحن كأطفال فإننا نبتهج ونفرح لما نراه من استعداد وحركة ونشاط غير عادي تمارسه أمهاتنا قبل آبائنا، حيث نشاهد عربة (القارى) المحملة بجازة رمضان والتي وضعت فيها مختلف المواد التموينية والاستهلاكية التي سوف تؤمّن للبيت نسبة كبيرة من احتياجاته طوال الشهر الكريم، غير الأشياء التي يتطلب توفيرها يومياً مثل اللحوم والخضروات. وأذكر أنّ الوالد -رحمه الله- كان يتفق مع أحد (القصابين) في مقصبة المبرز على تزويد بيتنا بكمية من اللحم الضان ومثلها من لحم البقر الخاصة بالهريسة. ويرسلها مع أحد الصبية العاملين في (المقصبة) ونفس الشيء مع أحد باعة الخضار. كان ذلك قبل وجود الثلاجة في بيوتنا. ومن المشاهد التي لا تنسى أن يشاهد العابر في طرق السوق أحدهم وهو يحمل «لحمة» بيته التي اشتراها من القصاب مربوطة في «خوصة» من سعف النخيل وتتدلى من يده بفخر واعتزاز. وربما يقرأ في نفسه المعوذات خوفاً من نظرات شريرة حاسدة.. وكانت من أهم المواد الغذائية التي يحرص كل بيت وبالطبع حسب إمكاناته وقدراته هي الطحين والزيت وأنواع من المكسرات، والرز «العيش» الحساوي الأحمر الذي يعتبر في الأحساء الوجبة الرئيسية في السحور وما أشهاه وروعته في كبسة مشبعة باللحم يزينها البيض. كذلك يتم توفير كمية كبيرة من «حب الهريس» وهو طبق دائماً يتصدر مائدة الإفطار في بيوت الأحساء وحتى الخليج.. ومن الأشياء التي من المهم أن تكون موجودة في مواد «جازة» رمضان « المواد الأساسية لعمل حلويات الشهر الكريم. مثل النشاء والفواكه المجففة كالتين والمشمش والزبيب.. إضافة إلى «الدبس» الخاص بحلوى اللقيمات.. وكم كانت فرحتنا كبيرة ونحن نساعد في نقل محتويات عربة «القاري» التي تقف بشموخ بجوار باب البيت ونحن نتراكض بهمة في نقل ما يحتويه صندوق العربة ونترك الأشياء الثقيلة يحملها صاحب العربة وكان يسمى مع الاحترام له «الحمار» مثل أكياس الطحين والعيش والأكياس الأخرى الثقيلة. لقد كان الاستعداد للشهر الكريم طابعه الخاص والمميز لدي كل مواطن لا في الأحساء وحدها وإنما في مختلف مدننا وقرانا وحتى ابلدات والهجر.. ولا ننسى أبداً أن نذكر ذلك الجهد المبذول من قِبل أمهاتنا وأخواتنا، وحتى ممن يساعدنهن في عملية تنظيف البيت ووضع اللمسات المليئة بالفرحة والحب والشوق الكبير لقدومه. كانت أبخرة البخور تغمر البيت وأروقته وغرفه وتمتد لتدخل في زاوية فيه انتظاراً لقدومه الميمون. ولا عجب فالشهر ينتظره الجميع بحب وشوق كبيرين.. وبالأمس أحضر أصغر الأبناء مع السائق من أحد الأسواق الكبرى «جازة» رمضان «وكانت القائمة لا أبالغ إن قلت كانت في طول متر وربما أكثر.. على الرغم من مخزن مطبخنا مازال عامراً بالعديد من الأصناف والمواد والأغذية التي لم تستخدم بعد. ومع هذا لابد أن نشتري «جازة» جديدة من أجل عيون رمضان القادم بمشيئة الله ببركته وخيره. وكل رمضان وأنتم بخير؟!