خالد بن حمد المالك
أن نقول إن هناك تناغماً في المواقف يصل إلى حد التحالف بين الثلاثي القطري الإيراني الإسرائيلي، فهذا استنتاج لما قاله صراحة سمو أمير قطر الشيخ تميم، فهو يعلن بوضوح بأنه على علاقة جيدة بإسرائيل، وهو يرى أنه ليس من الحكمة أن نعادي إيران بسبب مواقفها المشبوهة، لأنها -على حد زعمه- دولة إسلامية كبرى، وهو يرى في المنظمات التابعة أو المتعاونة مع إيران منظمات شرعية، وبهذا فلا مجال لأحد بأن يقول هذا ادعاء منا، فالأمير القطري هو من اعترف بذلك على رؤوس الأشهاد.
* *
وهذه السياسة القطرية ليست وليدة اليوم، أو أنها مواقف يعلن عنها لأول مرة بكل هذا الوضوح وبشكل مفاجئ الأمير القطري، إذ إن في قطر تمثيلاً إسرائيلياً منذ زمن، وهي على وفاق قديم وتنسيق دائم مع إيران في تبني المواقف المضادة لمصالح العرب، كما أنها سياسة قطرية ترى أن قوتها في تبني الإخوان المسلمين وحزب الله وحماس لاستخدامهم عند الطلب، مثلما تفعل قناة الجزيرة التي تستنجد ببعض الإعلاميين العرب المرتزقة لرفع الصوت عالياً، ونشر الأكاذيب، على كل ما هو حقيقي في سياسات الدول الخليجية.
* *
على أن التصرفات القطرية، والسياسات غير المنضبطة التي تمارسها مع جيرانها الخليجيين العرب تحديداً، ومع الدول العربية على وجه العموم، هي سياسات تفتقر إلى الكياسة والحكمة وبعد النظر، وحسن التصرف، وكأن المقصود بذلك أن تلعب قطر دوراً مدمراً لها ولأشقائها، وكأنها في المحصلة تدار سياسياً على النحو الذي يخدم إسرائيل وإيران، ويجعل من منطقتنا في حالة حروب واضطرابات، وإرهاب وتطرف، اعتماداً على دعم قطري مالي وإعلامي ولوجستي، يكون لإيران كما لإسرائيل دورها في تنفيذ هذا المخطط الخطير.
* *
قطر يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها، وأن يكون دورها إيجابياً في خدمة استقرار المنطقة، وأن تنأى بنفسها عن كل الممارسات المشبوهة التي تخطط لها عناصر غير قطرية تجد الملاذ الآمن لها في الدوحة، وأن تعرف الدوحة أن مثل هذه المواقف العدائية من دول مجلس التعاون الخليجي إعلامياً لا تصب في مصلحة قطر، ولا تخدم أياً من دول المجلس، وهي في النهاية ممارسات غير عاقلة، لا يمكن لمتابع أن يفهمها إلا أنها تصدر عن مسؤول لا يقدر التبعات التي سوف تترتب عليها، بدليل ردود الفعل التي صاحبت تصريحات أمير قطر، والرفض لكل ما ورد فيها، والتأكيد على أن ما قاله لا يخدم إلا السياسة الإسرائيلية والإيرانية.
* *
اللافت للانتباه هو التوقيت الذي صدرت به هذه التصريحات للأمير القطري، وكأن المقصود منها التعتيم على النجاحات التي تحققت في قمم الرياض، وكأن الغرض منها ضرب ما تم الاتفاق عليه بين الدول العربية والإسلامية وأمريكا للقضاء على الإرهاب والتطرف، وكأن الأمير القطري غير راض عن النتائج التي خرجت بها القمم الثلاث، فأراد أن يعبر عن آرائه ليقول للجميع: إن له رأياً يخالف ما أعلن من نتائج في هذه الاجتماعات، لكونها تؤكد على دور إيران في الإرهاب الذي يضرب دول المنطقة، ولأن نتائج القمم ركزت أيضاً على القضية الفلسطينية، واعتبار منظمة التحرير هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وليس حماس كما في تصريح الشيخ تميم.
* *
عفواً سمو الأمير تميم، فنحن لا نحملك مسؤولية بغير ما قلته، أو قيل على لسانك، ولا نتجنى عليك، فندعي كلاماً لم يصدر عنك، وإنما نحاول أن نقرأ كلامك جيداً، ونفهمه، ونعلق عليه بما هو واضح جلي لنا، حتى نضع الأمور في نصابها الصحيح، ولا نخرج عن سياق الآراء الخطيرة التي صدرت عنك، ومن حقك أن تصحح ما قد يكون قد فهم منا خطأً، أو فسرناه بغير ما كنت تقصده، فتصدر بياناً توضح فيه ما لبس علينا، أو تعتذر وتتراجع عما تأكد لنا حقيقته، بروح المسؤولية، والنظر إلى المصلحة العامة لقطر أولاً، ثم لدول مجلس التعاون والعرب والمسلمين ثانياً، فدول العالم ثالثاً.
* *
لقد اهتم الجميع بتصريحاتك ليس من باب الإعجاب بها، ومناسبتها لأهدافه وتطلعاته، وإنما لما تشكله من خطورة على الأمن الوطني والعربي، ولما ستتركه من تداعيات خطيرة، إذا ما استمرت المواقف القطرية على النحو الذي تسير عليه قبل هذه التصريحات وبعدها، ولعلي أسمح لنفسي كخليجي وعربي ومسلم محب لقطر وشعبها العزيز أن أناشد سموكم، بأن تحدث انقلاباً على هذه السياسات والمواقف القطرية الخطيرة، وأن تعود قطر كما نتمنى إلى حضنها العربي والخليجي والإسلامي، وتتخلص من العزلة القاتلة التي وضعت نفسها فيه، مدعومة من إسرائيل وإيران والإخوان المسلمين وحزب الله.
* *
ونتمنى من أمير قطر ألا يوسع خلافاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأن يسعى إلى تطييب خواطر من أساء إليهم، وأن يصغي إلى نصائح إخوانه قادة دول المجلس، فقدر قطر أن تكون ضمن المنظومة الخليجية، وليس خيارها أن تكون ضمن تحالف مع إسرائيل وإيران، وليس من مصلحتها أن تتبنى المنظمات الإرهابية، وأن تكون ملاذاً آمناً للإرهابيين والمتطرفين، ولا زال في الوقت بقية لمعالجة التصدعات في الموقف الخليجي الذي أغرقته السياسة القطرية غير الحكيمة.
* *
إن نفي صحة التصريحات، وقولهم إن موقع وكالة الأنباء القطرية مخترق، وإن ما نسب إلى أمير قطر كاذب وغير صحيح، لا يمكن أن يغني عن بيان رسمي باسم مجلس الوزراء أو وزير الخارجية، ينفي فيه صراحة ما نسب من تصريحات للأمير، ويكون أبلغ لو كان النفي على لسان الشيخ تميم نفسه، ولا أعتقد أن الأمير سوف يفهم مثل هذا الاعتذار بأكثر من أنه معالجة مناسبة وضرورية لإعادة قطر إلى الصف الخليجي والعربي، والحيلولة دون استمرار إسرائيل وإيران في اختطافهما لقطر.