أ.د.عثمان بن صالح العامر
انتهت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، وغادر الرؤساء والملوك بعد أن انفضّت قمم الرياض (الإسلامية والعربية والخليجية - الأمريكية)، ولكن لم تنتهِ بعد ولن تنتهي أحاديث الناس وكتاباتهم وتعليقاتهم وتحليلاتهم عن هذه الأحداث المهمة في التاريخ العالمي المعاصر، التي يمكن اعتبارها جميعاً تدشينًا لمرحلة جديدة ومتقدمة في الاتحاد الإسلامي - العربي - الخليجي - السعودي / الأمريكي للحرب على التطرف والإرهاب العالمي الذي قتل الإنسان ودمّر البنيان ويتَّم الصبيان ورمَّل النساء، عثا في الأرض فساداً بلا حدود، وأباد وشرّد دون قيود، والمصيبة العظمى أنه يفعل ذلك كله باسم الإسلام، ونُتهم نحن بأننا من صنع التطرف وغذّى الإرهاب بالفكر المتشدد البغيض، مع أننا أكثر من اكتوى بناره وأحرق لهيبه أجسادنا، وعصف عنفه بعقول عدد من أبنائنا للأسف الشديد.
إنّ ميلاد المركز العالمي لمكافحة التطرف «اعتدال»، الذي دُشِّن مقره من قِبل كلٍّ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في عاصمتنا الحبيبة الرياض مساء يوم السبت الماضي، يأتي ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة التطرف المؤدي للإرهاب، ويرتكز المَركز في أعماله على أحدث التقنيات الحديثة والابتكارات المتقدمة، حيث يتم تحليل البيانات بوقت قياسي وبشكل احترافي متقدم، فضلاً عن قراءة الخطاب المتطرف قراءة إلكترونية وترجمته للعربية أيّاً كانت لغته الأساس، وهذا يُعَد سبقاً سعودياً بامتياز، حقه الافتخار والشكر لكل من خطط وفكر ثم قرر ودبّر وبذل ودعم وشارك وأنجز، حتى صارت الرياض المركزَ الرئيس في العالم كله لمواجهة الفكر المتطرف المدّعي وصلاً بالإسلام والإسلام منه براء.
لقد وضحت بشكل جلي أمام العالم أجمع خيوط العنكبوت التي كانت تنسجها إيران زعماً منها أنها بهذه الجيوب المهترئة، والمليشيات الجبانة، والبيوت الواهنة، والجماعات المخادعة، والأحزاب الخائنة، قادرة على النَّيل من حصن الإسلام الحصين وقلعته الصلدة، وملاذه الآمن بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية.
إننا نحن السعوديون لم نكن يوماً نحمل في قلوبنا غلاً ولا حسداً ولا حقداً ولا ضغينة، ولا احتقاراً ولا انتقاصاً، ولا ازدراءً ولا عداءً لأحد مهما كان منه لنا، بل كنا طيبون مع الكل نغفر الزلة ونقيل العثرة ولا نرد بالمثل، نغضّ الطرف ولا نبدي امتعاضاً أو تضجراً، نكتم الغضب ولا يظهر منا العتب على أحد، قلوبنا مفتوحة للجميع، وبلادنا مرحبة بالكل، وهذا ما علّمنا إيّاه ديننا الذي ندين الله به، وورثناه عن آبائنا وأجدادنا جيلاً إثر جيل، ورأيناه جهاراً نهاراً في سلوك قادتنا الحكماء وعلمائنا الربانيين، ولكن حين يُظهر خصومنا العداء ويستفحل الأمر لم يكن لنا بدّ من ركوب الأسنة ودق طبول الحرب، فنحن -بحول الله وعونه وقوّته- لها، وسنبذل أموالنا وأوقاتنا ومهج أنفسنا رخيصة في سبيل الذود عن حياض عقيدتنا الإسلامية الصحيحة، وبلادنا الشامخة المعطاء.
إنني أشرف في هذه المناسبة العزيزة أن أبارك لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان والدوحة السعودية المباركة، وجميع العاملين والمستشارين، نجاح هذا الحدث التاريخي الكبير بكل المقاييس وعلى جميع المستويات، التي جعلت وزير الخارجية الأمريكي يتمنى أن يرى ما أسعده في الرياض بالعاصمة الأمريكية « واشنطن «، وفي ذات الوقت أرفع أسمى آيات الشكر والتقدير لقيادتنا المباركة أن جعلتنا نحن الشعب السعودي، أقصد شعوب العالم العربي والأمة الإسلامية، نتوق للوصول إلى مصاف دول العالم المتقدم في صنع القرار الدولي وتحقيق السلام العالمي الذي تنشده البشرية جمعاء، ودمت عزيزاً يا وطني، وأطال الله عمر قائدنا الرمز ملك العزم والحزم سلمان بن عبد العزيز، وإلى لقاء والسلام.