زكية إبراهيم الحجي
أهلاً بشهر تشتاق إليه نفوسنا وتهفو إليه قلوبنا.. أهلاً بشهر يعيد للأخلاق نقاءها وللنفوس صفاءها وللقلوب والسرائر أنسها وبهجتها، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والتوفيق لما تحبه وترضاه ووفقنا لحسن صيامه وقيامه ولا تحرمنا خير ما فيه من عظيم الأجر والثواب.
لشهر رمضان المبارك ثقافة خاصة تتشابه فيها مختلف المجتمعات العربية والإسلامية.. ثقافة تمنحنا شعوراً يتجاوز أنانية الذات وتلهمنا تفكيراً يتعدى حدود الأنا إلى الأنا الأخرى.. الأنا الساكنة بعزة وكرامة في نفس كل فقير ومحتاج فيتحرك الوجدان بالقيمة الشعورية للآخر ولا يشرع الله أمراً إلا لحكمة سواء علمها الناس أو خفيت عليهم.
شهر رمضان مدرسة روحية وتربوية عظيمة الشأن.. مدرسة لتعزيز قيم الصبر والبر والتكافل والعطاء.. ومنحة ربانية لتزكية ملكة النظام في النفوس التي طوقتها سلاسل الرتابة طوال عام كامل.. شهر تتجرد فيه النفس من أدران الأنانية لتذوب في ذات الجماعة وتصبح جزءاً منها تجمعهم روح الأخوة والتآلف والمحبة ومعايشة أحوال المعوزين والفقراء والمساكين والتذكير بقيمة نعم الله تعالى على المسلمين.. كل ذلك يتجلى من خلال أداء فريضة الصوم المدرسة الجليلة منبع القيم والأخلاق السامية ومورد الطيبات من أغذية الروح والعقل والقلب.
الصيام قاعدة طبية أولى وليس هناك أدنى شك في ذلك وكثير من الأطباء أشاروا بفوائد الصيام وأثره على صحة الإنسان.. الدكتور فاك فادون وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة أثر الصوم على صحة الإنسان يقول: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم حتى ولو لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بها من قبل.
لرمضان في مجتمعنا السعودي جو روحاني متميز ربما لا يوجد في بقية المجتمعات.. كما أنه يتميز بعادات عظيمة ومباركة حيث تنتشر خلال هذا الشهر الكريم موائد إفطار خاصة بالجاليات الإسلامية والعمالة الأجنبية المقيمة.. أيضاً الاهتمام بتوزيع وجبات إفطار خفيفة عند إشارات المرور للذين أدركهم أذان المغرب وهم بعدُ في الطريق إلى منازلهم.
دعائي أن لا يمر شهر رمضان المبارك إلا وآثاره الطيبة غمرت نفوسنا وأيقظتها من سباتها وقبل هذا نقتها من ربقة الخطايا والآثام وجددت صلتها بخالقها ودفعتها نحو التغيير الإيجابي المنشود.