جاسر عبدالعزيز الجاسر
في الحديث عن أفضل السبل للقضاء على الإرهاب يجمع المفكرون والاستراتيجيون وكل من يتصدى لهذه الآفة التي أصابت جميع الدول والمجتمعات على أن القوة العسكرية والتصدي للجماعات الإرهابية وأذرعتها من ميليشيات وأنظمة لن يكفي للقضاء على الإرهاب بل يجمع كل ما ذكرنا على أن تكاتف الجميع وتفعيل جميع النواحي العسكرية والفكرية والمالية بشكل شمولي، بحيث توظف هذه النواحي في شكل تكاملي وتفاعلي متواصل حتى يمكن الوصول إلى نهاية تامة وحتمية لهذه الآفة التي أضرت الجميع.
هذا التصور سبق تحدثت عنه المملكة العربية السعودية وسبقت الكثير من الدول بوضع الأسس والأطر التنظيمية لتفعيل النواحي الفكرية والمالية إلى جانب إيجاد قوة عسكرية فعالة تشمل تقوية الأجهزة الأمنية في الداخل والدفاعية من خلال تقوية الجيوش وأسلحة الدفاع الجوي والطيران الحربي والقوة البحرية.
ولقد وجدت المملكة العربية السعودية الفرصة مواتية لنقل ما قامت به وفكرت به إلى آفاق أكثر اتساعاً، وإقناع المجتمع الدولي عبر دول العالم الإسلامي لتبني ما كان ينادي به السعوديون، وعندما عقدت القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض بحضور قرابة ثلث دول العالم الأعضاء في منظمة المتحدة ومشاركة رئيس أهم وأقوى دولة، تم تفعيل الفكر السعودي، حيث قرر تأسيس قوة عسكرية عربية إسلامية تتشكل في بداياتها من 34 ألف جندي يكونون جاهزين للتصدي للإرهاب أو عند تعرض أي دولة إسلامية أو عربية لتهديدات خارجية.
ومواكبة لبناء القوة العسكرية من خلال إطلاق لـ»الناتو الإسلامي» أتى إنشاء المركز العالمي لمكافحة التطرف «اعتدال» والذي سينظم التعاون الدولي وبالذات بين الدول العربية والإسلامية وبمشاركة أمريكية لنشر ثقافة الاعتدال والوسطية ومحاصرة الأعمال التحريفية والفكرية التي ينشرها المتطرفون والإرهابيون وملاحقة ما يقومون به من خلال تتبع أنشطتهم وعبر عشر لغات عالمية كبداية، سواء التي يقومون بها عبر وسائط الاتصال الإلكتروني أو المحطات التلفزيونية المباشرة أو أي نشاط دعائي لترويج أفكار التطرف والرد عليها وتوضيح المقاصد الشرعية الإسلامية الصحيحة من خلال التأكيد على سماحة الإسلام ووسطيته والمركز العالمي لمكافحة التطرف «اعتدال» والذي تابعنا كيف تم إنشاؤه وفي فترة قياسية وما احتواه من تجهيزات وقدرات أذهلت وأعجبت قادة الدول الإسلامية والعربية والرئيس الأمريكي وما رافقه من خبراء ومختصين، لم يأتِ من فراغ بل استند على قاعدة قوية وغنية من الخبرة السعودية، فالمملكة العربية السعودية لها تاريخ كبير وغني في تكوين حائط صد فكري لمواجهة المتطرفين والعمل على إعادة الشباب السعودي الذين تورطوا في أعمال إرهابية، إذ أسهم مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية والمناصحة في عودة الكثير منهم، وهي مساهمة وعمل استلهمته العديد من الدول وعدته الأمم المتحدة أحد أفضل وأنجع السبل لصد الإرهاب فكرياً، ثم تكمل وزارة الدفاع هذا الجهد بإنشاء مركز الحرب الفكرية ليتحقق تكامل في مواجهة المتطرف فكرياً داخلياً وخارجيًا.