فيصل خالد الخديدي
الفنان التشكيلي بطبيعته وسيكولوجيته منتج، يتجه للفردية في عمله وإبداعه، بالرغم من اجتماعيته في مواضيعه وإنسانيته وإحساسه بهموم محيطة، إلا أن حساسيته المفرطة في التعاملات الاجتماعية تجعل من الصعوبة استمراره في الأعمال الجماعية واندماجه في المشاريع الجماعية لفترات طويلة؛ فتقلباته المزاجية طبيعية، وتزداد كلما ازدادت حساسيته في عمله وتعاملاته؛ وهو ما يصعّب غالبًا بقاءه في التجمعات التشكيلية حتى لو في مجموعة افتراضية ببرنامج الواتس أو غيره من برامج التواصل الاجتماعي، وهو أيضًا ما يلحظ من عدم استمرار كثير مما يسمى بالجماعات التشكيلية إلا ما ندر منها, ولكن الأمر اختلف مع نموذجين من التجمعات التشكيلية التي ما زالت صامدة ومتجددة بعطاء يتسم بالمنهجية والعمل المتنامي، وديمومة ما زالت صامدة بحسن إدارة وهامش مجاملة أقل، وتلاحم أكبر، وانسجام يعتبر مثالاً جيدًا للعمل الجماعي والمؤسسي الذي لا يزال يعطي بالحماس نفسه من عشرات السنوات، وبالعناصر ذاتها المؤسسين لهذا الحراك؛ فالنموذج الأول والأطول تجربة في مجال العمل الجماعي على المستوى المحلي هو جماعة فناني المدينة المنورة التي تأسست في العام 1401 بأعضاء ثلاثة، هم (الدكتور فؤاد مغربل والدكتور صالح خطاب والفنان الراحل محمد سيام -رحمه الله-). واعتادت جماعة فناني المدينة المتنامية بوعي تقديم معارضها السنوية المتنقلة بين المدن السعودية أو خارجها، وعلى تسميتها بـ(جولة), وعاشت قبل أيام افتتاح جولتها السادسة والعشرين في أتيليه جدة بثمانية عشر فنانًا وفنانة. وهذا التماسك والنشاط الدؤوب على مدار أكثر من خمسة وثلاثين عامًا لم يكن إلا بحسن إدارة للدكتور فؤاد ومن معه، ومنهجية العمل بحب وحزم ومصداقية بعيدة عن المجاملة والمحاباة.
وفي صورة أخرى من العمل التشكيلي الجماعي الناجح تأتي تجربة فناني جماعة القطيف التشكيلية بقيادة الفنان محمد الحمران وأصدقائه، التي احتفلت قبل أيام بمرور عشرين عامًا على تأسيسها بمعرض (تنوع وإثراء) الذي ضم أعمال أكثر من ستين فنانًا وفنانة، وفعاليات متنوعة بين تكريم واستضافة فنانين من خارج السعودية، وعقد ورش عمل ومحاضرات تشكيلية على مدار الأيام العشر للمعرض، فكانت الجماعة نموذجًا آخر مشرقًا للعمل التشكيلي الجماعي المستمر المتنامي والمتجدد.