وقد ترجل الرجل الكريم معالي الاستاذ فهد بن عبد العزيز بن معمّر؛ بعد حياة كريمة:
إن المناصب لا تدوم لواحد
إن كنت تنكر ذا فأين الأول
فاغرس من الفعل الجميل فضائلاً
فإذا «رحلت فإنها لا ترحل»
هذان البيتان؛ سبق أن استهللت بهما كلمة وداع لزملائي ولأبنائي الطلبة، أثبتها آخر يوم من أيام عملي في دفتر دوام المعلمين بتاريخ 2-5-1418هـ، حيث كنت مديرًا لمتوسطة وثانوية حريملاء منذ عام 1379هـ إلى عام 1418هـ، مسرورًا في البداية وفي النهاية.
واليوم.. نسعد بالحديث عن شطر من سيرة حبيبنا المعطرة بالثناء والذكر الحسن، وعن ذكرياتنا الجميلة مع معالي الاستاذ الكريم فهد بن عبد العزيز بن معمر ـ أبو فيصل ـ الذي قام بخدمة وطنه وولاة الأمر المتتابعين. رحم الله الراحلين منهم، وأسعد مَنْهم الآن ملْء العين والقلب محبة.
ولقد ولد أبو فيصل في مدينة الطائف عام 1362هـ، وترعرع في قصر والده الشيخ الكبير عبد العزيز بن معمر أمير الطائف سابقًا.
وقد درس في المرحلة الابتدائية والمتوسطة حتى تخرج من ثانوية ثقيف بالطائف بتفوق عام 1383هـ، ثم ابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية للنهل من العلوم الحديثة، حتى نال الشهادة العالية من كلية «ويتر» التابعة لجامعة كاليفورنيا عام 1389هـ، في تخصص العلوم السياسية، وواصل الدراسة هناك لنيل درجة الماجستير.
وكأني به أثناء دراسته، ينتهز فرصة الإجازات لتجديد نشاطه، ولإمتاع عينيه وتسريح نظره في أرجاء تلك البقاع النائية عن مهوى رأسه، وخصوصًا ولاية كاليفورنيا، رحبة الجوانب والمتنزهات الجميلة مثل «سان هوزيه»، والجسر الذهبي الذي يصل بين ضفتي...... ومتنزه «يوسمتي» الذي يعد من أجمل المتنزهات وأطولها مدى، التي تحتضنها تلك الجبال السُّمر الشاهقات عُلوًا، وشلالاتها التي تصب في ذاك الوادي الحافل بكثافة الأشجار العالية، وسماع نوح الحمائم فوق أغصانها:
هنالك حيث تغنى الطيور
فتصغى الحياة ويرنو الوجود
وهي التي أثارت شجون الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- حينما زارها، فجادت قريحته ببعض قصائد الوصف ضافية الخيال منها:
قف بي على النهر يفري الغاب مجراه
أواه من صوته المأنوس أواه
بين الهضاب تعالى الله سامقة
ما أن يُرى مثلها في الكون أشباه
وغير ذلك من مناظر الطبيعة الخلابة في تلك الولاية.
وبعدما حصل على درجة الماجستير - كما أسلفنا آنفًا - عُين بمكتب الملحق العسكري بالعاصمة الأمريكية «واشنطن»، واستمر بها أكثر من خمسة أعوام، يعمل مشرفًا على شؤون المبتعثين. فمن كان حاذقًا للغات الأجنبية، سهل عليه العمل في داخل وطنه أو خارجه، ولقد أجاد الشاعر صفي الدين الحلي حين قال:
بقدر لغات المرء يكثر نفعه
وتلك له عند الشدائد أعوان
فبادر إلى حفظ اللغات مُسارِعًا
فكل لسان في الحقيقة إِنسان
ولما علم عن ظروف والده الصحية؛ قدم استقالته، ثم عاد إلى أرض الوطن، ليظل بجانب والده، يرعى حالته الصحية ويُؤنسه. وفي عام 1406هـ؛ صدر الأمر الكريم بتعيينه أميرًا على الطائف، لما يتمتع به من حِنكة وحيوية ونشاط في المساهمة في تطوير المحافظة وتحسين أداء أجهزتها ومؤسساتها المختلفة، وذلك من عمله وجهوده المباركة في المحافظة وقُراها، كما لا ينُسى تنشيطه للحركة السياحية، وتوسيع جوانبها، فكل عمل ـ أبو فيصل ـ خير وبركة، ويُعد من المسؤولين الذين لهم علاقات واسعة مع المواطنين ومشايخ القبائل والهِجَر، فهو محبوب لدى الجميع، وله مشاركات في إصلاح ذات البين، يفرح به كلا الطرفين، بحَلّ ما قد يحصل بينهما من خلافات، ولقد كان لحضوره مجالس والده مبكرًا؛ وسماع ما يدور فيها من أحاديث وقضايا وقصص هادفة؛ بالغ الأثر في إلمامه بالأساليب الإدارية، والمعرفة بأحوال المواطنين وطبائع الناس عامة. ولقد أجاد الشاعر حيث قال:
عليك بأرباب الصّدور فمن غدا
مضافًا لأرباب الصّدور تَصدّرا
ولا غرو في ذلك؛ فقد تربى وترعرع في مدرسة والده المُحنك الشيخ عبد العزيز بن معمّر، أمير الطائف - سابقًا - الذي كان يُشرف نادينا الأدبي بدار التوحيد عامي 71 - 1372هـ، هو ونائبه الاستاذ ناصر بن معمر، والشيخ محمد بن صالح بن سلطان وكيل وزارة الدفاع - آنذاك- ومعالي الشيخ محمد بن سرور الصبان - رحم الله الجميع - وحضور عدد من الوجهاء والأدباء في تلك الحقبة البعيدة؛ مما كان سببًا في تشجيع الطلبة وتسابقهم على علو منَصّات ناديهم.
كما لا ننسى حفاوة معالي الاستاذ فهد بنا وبضيوف حفل سوق عكاظ السنوي، لتناول طعام الغداء في مزارعه الرحبة بحي الشفا، وصدره أرحب، مع ما يتخلل تلك المناسبة من برنامج قصير ترويحي للضيوف، لإيناسهم وشكرهم على حضورهم.
ولقد أمضى - أبو فيصل - أكثر من ثلاثين عامًا محافظًا للطائف أولى مصائف المملكة، مقصدًا للضيوف، ودافعًا لعجلة التقدم، لمواكبة عصر الحضارة والرقي، التي تشهدها بلادنا الحبيبة إلى قلوبنا ـ تحت ظل ملوكنا الأكارم ـ رعاهم المولى:
ثلاثون عامًا بل ثلاثون درّة
بجيد الليالي ساطعات زواهيا
كما لا أنسى تكريمه لي عندما تسنح الفرصة له بحضوره إلى مزرعته الآهلة بأنواع أشجار الفواكه والزينة في موطن آبائه وأجداده «سدوس»، الواقعة في الجانب الغربي الشمالي من مدينة الرياض. ملتقى أبناء عمه وأسرته ومعارفه، عندما يكون حاضرًا، فأسرة آل معمّر معروفة بكرم الضيافة وحسن الاستقبال منذ القدم.
والذكريات مع - أبي فيصل - يطول مداها. أمدّ الله في عمره على أحسن حال.
حبيب إلى الزوار غشيان بيته
جميل المحيا شب وهو كريم
- حريملاء