أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
بشراكم اليوم أيها المسلمون؛ فأكثروا من سوادكم سواد ذوي التقى بين الأمم:
قال أبو عبدالرحمن: بحمد الله وفضله سبحانه وتعالى : يعيش المسلمون الذين من الله عليهم باتباع الدين الصحيح الذي رضيه لهم؛ وهم قلة بين السواد الأكثر.. وصفة الدين الصحيح أولاً الوقاية بالتربية الصالحة من الصغر، ومعانقة الفرد (في تأرجحات عمره) بمحاسبة نفسه فيما تركه من خير، أو اقترفه من شر؛ ليصحح المسيرة بأداء قلب منيب أواه؛ ولقد جعل الله لكم مدداً كريماً برقابة مجتمع معصوم العلن: يعظ برفق، وينتقد برفق، ويكون الحياء من المجتمع سبباً في تغلب الفرد على نزواته.. وفي الدين الصحيح عقوبات محددة وإصلاح.. وامتداد العقوبة إلى من لا ذنب له: لا تتعدى (كما عند ضعاف العقول في دور حجز المجانين وجلدهم كما أفضت عن ذلك في بحث لي نشرته منذ أعوام بهذه الجريدة.. نشرته يوم كانت لي صفحة كاملة أتنفس فيها تنفساً فكرياً وثقافيا وجمالياً؛ فالشكوى إلى الله ثم إلى رئيس تحرير هذه الجريدة أبي بشار خالد المالك)؛ وذلك في تحليلي سفينة الـحمقى التي حركت مشاعري بقصيدة مطولة من الشعر الحداثي؛ وهي قصيدة تثب بالقلوب، ولم يدرك النقاد جمالها وصدقها إلا بعد معاناتهم الظلم العالمي اليوم على وجه المعمورة.. ويكون للقيام بذلك هيئات للحسبة تنظم الأمر بمقتضى الشرع في مرحمته وفي حكمته؛ ومن أقصى عقوباته بعد انقطاع العذر: أن يستأصل العنصر الفاسد لدى القوم.. ويسبق ذلك تنظيم أسري يحمل الرجال، والوالدين عموماً مسؤولية القوامة، ويحقق للمستضعفين والنساء حق الكفاية.
قال أبو عبدالرحمن: وشجرة الأسرة مباركة ممتدة الأغصان تسع بظلها فئاماً من الخلق، وتوجد العاقلة، ولا يسقط ضعيفهم، وكل هذا معدوم عند أصحاب سفينة الحمقى وأجيالهم إلى هذه اللحظة؛ إذ لا يعهد في تاريخ البشر فساد في البر والبحر مثل ما نعيشه اليوم، وكله من الظلم العالمي بإكراه الأطماع والشهوات؛ فتلوث البيئة براً وبحراً وهواء شر طوق المعمورة كلها، وظهرت أمراض فتاكة لا عهد للبشر بها أيضاً كالتلوث بالإشعاع الذري، وكتلوث المياه بما يدفن في أراضي المستضعفين، وكالتلوث بعدوى الإباحية من دنس الديوثة والشذوذ، ومن نتن القتلى؛ فالذي مر على البشرية مما هو من أكبر المعارك يكون في بقعة واحدة، ويعد القتلى بالآلاف، ويتم إحكام دفنهم.. واليوم القتل بالملايين في كل البقاع، والجثث ترمي في البحار وفي العراء، وهذا هو الهرج الذي أخبر من لا ينطق عن الهوى (عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم) عن وقوعه آخر الزمان.. والفقيه المتبصر يعلم علم اليقين من شواهد شرعية أن الحياة الفطرية الطبيعية عائدة، وأن العقبى للإسلام وأهله، وأن عودة الحياة الفطرية سيسبقه تطهير بعقوبة من الله تبيد أهل الظلم.. والمسلمون وأهل الكتاب باقون إلى يوم القيامة؛ لأن تدبير الله الكوني لم يقض باستئصالهم كعاد وثمود؛ ولكن هذا لا يعني عدم استئصال طوائف منهم على مدى الأزمان، وهكذا الوثنيون ومن لا دين له هم أحرى بالاستئصال.. والذين أهلكوا من الأمم السابقة هلاكهم يقين علمي هو على وجه الأرض الآن كالصيهد وديار ثمود وأرض شعيب عليه السلام؛ وكل ذلك في جزيرة العرب، وكبحيرة قوم، لوط عليه السلام في جزء من بلاد الشام على معناها العام، وكبحيرة قارون، وكآثار الفراعنة في مصر.. وكلها شواهد حسية منظورة بسبيل مقيم؛ وتلك معرفة انتقلت إلى العلم بما أنتجته وسائل الحفريات واكتشاف هويات الآثار؛ وهي علم بمقتضى التواتر التاريخي، وهي علم بمأثور أهل الأديان الذين قال الله عنهم {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [سورة الأنعام/91].. وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.