د. محمد عبدالله العوين
ربما يكون هذا اليوم السبت أول أيام شهر رمضان المبارك كما هو في تقويم أم القرى؛ إلا إذا «جابوه الشروق»! بصفة مبكرة فصار يوم الجمعة.
ولو رئي الهلال في الدقائق الأخيرة من نهار يوم الخميس وصمنا الجمعة فسيتم ثلاثين يومًا؛ لكن لو لم تثبت الرؤية وبدأنا الصيام بهذا اليوم السبت فسيكون الشهر ناقصًا فنصوم تسعة وعشرين يومًا فقط؛ ولا أدري كيف يمكن أن نتمه ثلاثين يومًا ونحن ما زلنا نعتمد الرؤية المجردة بالعين، والمراصد الفلكية تملك من أدوات الرؤية الدقيقة ما يؤكد أو ينفى دخول الهلال وتتكامل مع الحسابات الدقيقة للتقاويم التي تصدر من المتمكنين في فن حساب السنين؛ لا السنة الواحدة فحسب.
ولعل لدى علماء الشريعة الأفاضل من الرأي ما يعضد ويقوي الاستعانة بالمراصد الفلكية وحسابات التقويم لتتكامل مع الرؤية بالعين المجردة إذا لم يكن ثمة نص يمنع أو ينهى عن ذلك، ولو أجمعت الهيئات الدينية في العالم الإسلامي كله على الأخذ برؤية المراصد والحسابات - إذا لم يرد حديث نبوي شريف يمنع ذلك أو لا يحبذه - لاتفق المسلمون جميعًا على دخول الشهر وخروجه، وعلى يوم عيد الفطر المبارك، ولا نتفي ما نراه من اختلاف غير مستحسن بين المسلمين في شرق الأرض وغربها على صيام اليوم الأول وعلى تحديد يوم عيد الفطر، فنحن نجد دولاً لا تصوم اليوم الأول الذي صمناه؛ بل تؤخره، ولا تعيد اليوم الأول من أيام عيد الفطر؛ بل تؤخر إعلانه فتعيد اليوم التالي، وهو أمر لا يدل على انسجام أو اتفاق في الرأي، ولا توحد في بدء ركن من أركان الإسلام أو مظهر فرح للمسلمين جميعًا كان المستحسن أن يعم قارات الأرض كلها؛ لا أن يتفرق المسلمون في عباداتهم وأعيادهم.
وليست هذه القضية الوحيدة التي تدل على تعدد مصادر الفتوى وتشتت الرؤية وتباعد الرأي بين الهيئات الدينية والمجالس الإشرافية على العبادات في العالم الإسلامي؛ فهي تؤكد أن الاختلاف بين المسلمين - مع الأسف - أعمق بكثير في قضايا أخرى تمس وجودهم وكينونتهم وقوتهم، في صراع بين أن يكونوا أو لا يكونوا في سباق خطير بين تكتلات الحضارات وتنافسها على امتلاك عناصر القوة والتأثير.
سرحت قليلاً عمّا أريد قوله في هذه الفذلكة اليسيرة التي لم أردها بحثًا فقهيًا أو فاتحة بحث في الفقه؛ فلست فقيهًا لأفتي، لكنني وددت التذكير بما يحسن بحثه للوصول إلى رأي جامع مانع يتفق مع غايات الشرع المطهر في صيام الشهر الكريم على خير وجه، ويحقق مصالح الأمة ومنافع الناس.
وها أنا ذا أكتب هذه الكلمات المتأملة المرتاحة بعد منتصف ليلة الخميس الفائت، وبعد عناء أيام الامتحانات وما تثقل به لا على الطلاب والدارسين فحسب؛ بل على أساتذتهم ومعلميهم والهيئات الإدارية التي تشرف على سير امتحاناتهم.
لقد فرغت مما أوكل إلى وقرأت بتمعن شديد وتأفف لا أخفيه ما ينيف على أربعمائة كراسة، وصححت ما يزيد على مائتي بحث في قضايا متعددة، ورصدت درجات ما يقرب من أربعمائة طالب خلال أيام لا تزيد على الخمسة؛ فأيهما أكثر عنتا وأشد شقاء أنا ومن هو على شاكلتي أم طلابي الذين ألقوا إلى بكل هذه الأثقال من الأعباء؟! لا اختلاف بيننا، نحن وإياهم في عناء، ولكن عناءنا لا خسران فيه ولا خوف؛ بينما تضطرب دقات قلوبهم في كل ساعة يلاقوننا عابرين إلى قاعاتهم وكأنهم على موعد مع الحياة أو الموت؛ لا مع علم يسكب على الأوراق سكبًا بوعي وإتقان وحصافة رأي ودقة تذكر.
لقد فرغت ومنحتني الجامعة إجازة طويلة استهلتها بهذا الشهر الكريم، وأنا أحوج من طلابي إلى الإجازة والراحة، ففرحي وابتهاجي بالتحرر من أعباء العمل أكثر من فرحهم بتأمل درجاتهم على شاشات الكمبيوتر وقد منحت كلا منهم درجة A+!