خالد بن حمد المالك
يبدو - والله أعلم - أن مسيري السياسة القطرية ليسوا الظاهرين لنا، وأن الأمور تدار من خلف الستار، فقد أطبقت فئة متخفية على القرارات، فسيّرتها كما تريد، ووجهتها وفقاً لأجندتها، وبما يتفق وأهدافها، وهو ما يعني أن مصلحة قطر ستكون مغيبة، أو على الرف، بما لا حاجة لنا ولا للقطريين لنسأل لماذا وكيف يحدث هذا، وبالتالي يكون تعاملنا مع التصريح الخطير لسمو أمير قطر الذي تم نفيه، وأن وكالة الأنباء القطرية مخترقة، في إطار تساؤلنا المريح: من يكون هذا الذي اخترقها؟ وما مصلحته في ذلك؟ وهل يحق لنا أن نوجه الاتهام إلى هؤلاء الذين يقضون حياتهم منعمين مكرمين من مختلف دول العالم في قطر، أم أن التصريح حقيقي، لكن سموه لم يجد الوقت الكافي لقراءته بحكم مشاغله فأخذ طريقه إلى الوكالة دون تدقيق؟
* *
لا يعنينا ذلك كثيراً، سواء كان صادراً من الشيخ تميم، أم أنه مؤامرة اختراقية لوكالة الأنباء القطرية للإضرار بعلاقات قطر مع دول مجلس التعاون، فالتصريح خدم أعداء قطر، أكان منسوباً للأمير بموافقته، أم أنه دُس على وكالة الأنباء القطرية، فوزعوه على وسائل الإعلام، ولم يصحوا على هذه الفضيحة المدوية إلا بعد أن تداولت وسائل الإعلام التصريح بالتحليل والنقد وإظهار عيوبه وخطورته على قطر وعلاقاتها بأشقائها وجيرانها دول الخليج العربية، ليتنادى كل القطريين إلى لملمة هذه الفضيحة، والتستر عليها، وإطلاق المبادرات لنفي أن يكون الأمير قد صرح بذلك، بحجج ضعيفة، ومبررات واهية وغير مقبولة، للتأكيد على أن التصريح مفبرك، وأن الوكالة مخترقة.
* *
السؤال الأهم، لماذا لا تكون قطر مخترقة كلها، بمؤسساتها ودواوينها، ووسائل إعلامها، بما فيها قناة الجزيرة، التي يديرها ويوجهها ويرسم سياستها مجموعة من الإعلاميين العرب الذين لم يجدوا بعد لندن ودولهم من ملاذ آمن غير قطر الحبيبة، وهو من الوضوح، بما لا يحتاج إلى من يأتي لينفي ذلك على غرار نفي تصريح الأمير، والتأكيد على حقيقة الاختراق المزعوم للوكالة، وإلقاء اللوم على كل من انتقد الأمير في تصريحه، إلى حد الشتم والعبارات السوقية المسيئة التي لا تصدر عن إعلامي يحترم رسالة المهنة، وقبل ذلك يحترم نفسه، إلا من يقبل بأن يكون بوقاً إعلامياً لبث الأكاذيب والالتفاف على الحقائق، وهو بذلك يكون قد أرخص نفسه وباع ضميره بحفنة من الدولارات، وهذه حقيقة سلوك بعض الإعلاميين العرب المقيمين في قطر.
* *
أتمنى ألا يطول الخلاف مع قطر، وأن يمتلك أميرها الشجاعة، فيعلن موقفه من التصريح القضية، ولا يستسلم لمؤامرة من يدعون أنه اختراق للوكالة، فقطر جزء من الجسم الخليجي، وإن كان هناك من يريد وضعها في غير مكانها الصحيح، فالمطلوب من الشيخ تميم آل ثاني أن يقف موقفاً تاريخياً ضد هؤلاء بسلاح المسؤولية التي يتبوأها، ومن خلال سنده المخلصين إخوانه ملوك وأمراء دول مجلس التعاون، فالدوحة لا خيار أمامها لتبقى عصية على الإرهابيين والمتطرفين والأعداء، إلا بتكاتفها وتضامنها وتناغمها وانسجامها مع سياسات المملكة ودول مجلس التعاون الأخرى.
* *
نكتب هذا من منطلق حبنا لقطر، ومن خوفنا عليها، ومن متابعتنا لسياساتها المرتبكة، ومن شعورنا بأن ما يمس قطر يمسنا بالصميم، وأن أمنها واستقرارها جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المملكة ودول مجلس التعاون، وأن على سمو أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني أن يتحمل انزعاجنا من تصريحه الخطير، فنحن نخاف على قطر كما نخاف على المملكة، وما نتمناه للشعب السعودي، هي نفس أمانينا للشعب القطري الشقيق، وليس هناك من أحد يمكن أن يقال عنه إنه يحمل هذه العاطفة لمواطني قطر كما هي شعوب دول الخليج، وإذا ما فكر أي أحد بغير ذلك فعليه أن يعيد النظر مرة أخرى ليتأكد من صحة ما نزعم أنه هو الصحيح الذي يصب في مصلحة الشعب القطري وشعوب دول الخليج.
* *
نعم، لقد أزعجنا تصريح سموه، وآثارنا للتعليق عليه بمجموعة من المقالات، بل ولم يكن أمامنا من فرصة للتغاضي عنه، مثلما اعتدنا أن نفعل ذلك في مواقف سابقة رغم خطورتها، أما وقد بلغ السيل الزبى، وتمادت قطر في افتعال الخلافات والمواقف التي لا تخدم حسن الجوار والأخوة، ولا تتفق مع أسلوب التهدئة التي تتسم بها عادة سياسة المملكة وبقية دول مجلس التعاون، فقد أصبح الموقف هذه المرة مختلفاً، لكون تصريح الأمير - بما يمثله من خطورة بالغة - لم يترك فرصة لمداواة الجرح النازف بسبب شطحات الدوحة، وتقلباتها السياسية، وبالتالي فمن المصلحة مواجهة سموه بما يجب أن يقال.
* *
عذراً سمو أمير قطر، فلم يكن أمامنا من فرص أخرى لنتجنب هذا الحوار معكم، فقد أقفلتم كل الأبواب، وجاء على لسان بعض المسؤولين القطريين نفياً كاملاً للتصريح، وإلقاء التهمة على المجهول بأنه من سرب التصريح إلى وكالة الأنباء القطرية، وأن هذا العمل - كما يزعمون - قرصنة واختراق، لكنكم لم تدلوا أو يدلي غيركم من المسؤولين بأن موقف قطر مخالف تماماً لكل ما ورد في التصريح، أعني موقفكم من إسرائيل، ومن إيران، ومن حزب الله، ومن الإخوان المسلمين، ومن اتهام دول الجوار بتهديد أمن قطر، ومن أن حماس هي الممثل الشرعي لفلسطين، أي أنكم لم تساعدوا أبداً في تجاوز هذه الأزمة، وبالتالي كان ما كان، وكلنا أمل أن تراجعوا مواقفكم وسياساتكم، وتكونوا كما نتمنى في قارب واحد مع أشقائكم قادة مجلس التعاون.