حسن اليمني
كل رؤية مستقبلية تطرح للتطبيق لابد ان تواجه رد فعل متباين بين التفاؤل والحذر والدعم والتشكيك ومع ان رؤية 2030م ظهرت عامة وشاملة إلا أن واجهتها المالية من الجانب الاقتصادي برزت كمحور اهم للمتابعين والحق ان هذه الواجهة ليست كل الرؤية ولا حتى في جانبها الاقتصادي.
تهذيب المصروفات وضبطها ومتابعتها ومراقبتها بدقه والوقوف على نتائجها بشكل دوري محدد التواريخ اشارة من بين عدة اشارات من الممكن ان يلتفت لها المتابع بشكل عام ليتمكن من رسم الصورة الحسّية لمنتج الحركة التي انطلقت في عدة محاور بواجهات مختلفة لإعادة بناء الدولة بمستوى العصر وتقدمه, فالرؤية بشموليتها لا تستهدف رفع أرقام الموازنة المالية العامة للدولة فحسب ولكن هي تسعى لتحقيق وطن المعرفة والانتاج عبر المسار الصحيح والحقيقي الذي قوامه الإنسان الفرد, لهذا ظهرت بعض الضوابط والنظم التي تساعد في توجيه المسار نحو اهداف الرؤية المستقبلية وستظهر ايضا ضوابط ونظم وتشريعات متلاحقة تمس حياة الفرد الفكرية والسلوكية لتحقيق الانتقال المرحلي المتتابع للمجتمع من مرحلة الترف المظلل بالرعاية الحكومية إلى مرحلة الاعتماد على العائد القيمي للفكر والسلوك الفردي من خلال فتح الفرص للعمل والانتاج كأساس لتحقيق الرفاهية للفرد.
الأمر قد يبدو صعب وهو بالفعل صعب وعسر على من استأنس الرفاهية الريعية تحت ظل الرعاية الخيرية أو الفرص الانتهازية وكلاهما ترف غير منتج ومعرض للزوال والأمر كذلك جاءت الرؤية لتصحيح المسار الذي استمر معتمد على مورد احادي من انتاج الطبيعة لا الإنسان, وقد حان الوقت للفرد الإنسان أن يكون هو المنتج والمورد, وإذا كانت خطط التنمية الخماسية المتبعة منذ العام 1970م لم تستطع الوفاء بتحقيق الاهداف التي رسمت لها لعدم اسنادها بالنظم والضوابط المستوجبة لحماية المسار نحو تلك الأهداف كان لابد من إعادة الرسم بالدعم والاسناد اللازم لضبط المسار نحو وجهته المستهدفة حتى وان أحدث هزّة في العقول والأبصار إلا ان هذا كان ضروري للارتداد إلى العقل لإعادة التفكير في الواقع والمستقبل سواء من الفرد كفرد أو مجتمع.
رسم الاهداف المرحلية ومتابعة تنفيذها بتواريخ محددة ومحاسبة التقصير في وقته وتصحيح وتصويب الاخطاء بشكل مستمر ودقيق وتقديم الاهم على المهم مع اعادة تصحيح للمفاهيم والمألوف في الوعي الاجتماعي مع تفعيل استثمار الثروات الكامنة والتصنيع الوطني عسكريا ومدنيا تكوّن بمجموعها ورشة حياة لمستقبل آمن وثري قادر على خلق الرفاهية الحقيقية المستدامة بعدل وانصاف.
وإذا كان التحول والتغير في أي مجتمع من حال إلى حال لن يتم الا بمخاض عسر وإذا كان ليس من السهل على الإنسان الانتقال من مستهلك متوكل على عقل غيره إلى منتج من معرفته وعلمه فإن أجمل وأسمى وأرقى ما في هذه الرؤية الوطنية في مراميها الكامنة هو اعادة الإنسان لإنسانيته واقصد بذلك استعادة الانسان لقيمته الوجودية في هذه الحياة بالعمل والإنتاج واستيعاب العصر بلا خوف أو تردد مليء بالثقة والاعتزاز بالنفس مطمئن بروحانيته الايمانية وبالطبع لن يكون ذلك إلا بعد أن يعيد المواطن تجديد فكره وتصفية بعض الشوائب التراكمية المتألف والمعتاد معها الذي سيأخذه حتماً نحو إعادة ترتيب وتهذيب سلوكه وأخلاقه وتعامله في محيطه ومجتمعه وعالمه وهو في النهاية ما يصنع للوطن قيمته بين الأوطان.