خالد بن حمد المالك
لا أحد يخاف على قطر كما تخاف عليها المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، ولا أحد يحب قطر كما نحبها نحن شعوب دول المجلس، وأي جرح يصيب قطر فسوف ينزف من الجسم الخليجي كما نزف من الجسم القطري، ولا رهان لدينا في المملكة على شيء غير الحرص على أمن واستقرار قطر، كما هو في جميع دول المجلس.
* *
خوفنا على قطر، هو خوف المحب على دولنا الخليجية، وبالقدر الذي نخاف فيه على قطر، لأن التاريخ، والجغرافيا، والنسب، والنسيج الاجتماعي، والجوار، وكل القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعنا بقطر، لا تعفينا من المسؤولية فيما لو تسامحنا، ووقفنا موقف المتفرج من أخطائها ونزواتها وتمردها على أدبيات التعامل السياسي والأمني سواء بالفعل أو حتى بالقول.
* *
حسناً، لقد آلمنا تصريح سمو الشيخ تميم آل ثاني، وحرَّك المواجع في الجسم الخليجي، وأعادنا من جديد إلى سلوكيات ومواقف قطرية اعتادت أن تعكر المزاج الخليجي، وتفتح أبواباً للفتنة، وتخلق أجواءً للأعداء المتربصين بقطر ودول الخليج، كي يبثوا سمومهم في هذا الجسم الذي نريده أن يبقى متعافياً وصحياً، ومن دون تكرار لمشاغبات الدوحة، وتمردها على الثوابت في السياسة الخليجية.
* *
دعونا نناقش الدوحة بشيء من الهدوء، ولكن مع كثير من الصراحة، وبأريحية تتطلبها تربيتنا في احترام القادة، ولكن دون القبول بأي تصرف يمس مصالح شعوبنا ودولنا، فأسأل العاصمة القطرية: لماذا تأخر الإعلان عن هذا الاختراق (المفتعل) لوكالة الأنباء القطرية كل هذه المدة الطويلة، وما مصلحة من سرَّب هذا التصريح الخطير باسم سمو أمير قطر، وكيف لوكالة الأنباء القطرية، وهي وكالة رسمية أن تقبل به وتوزعه، وهو باسم أمير البلاد، دون أن تستفسر عن حقيقته، وتتأكَّد من مصدره، وهل يمكن لعاقل أن يفسر النفي والإعلان عن الاختراق بأكثر من أن ذلك تم بعد صدور الاحتجاجات ضد هذا التصريح الخطير.
* *
هناك شيء غامض، مربك للفهم، وعقولنا غير قادرة على تصديق الرواية القطرية، إِذ لا يعقل أن يُمرَّر تصريح كهذا باسم رأس السلطة في قطر، ثم يتم تداوله، ولا يتم نفيه إلا بعد ساعات طويلة من النهار، وامتداداً مع ساعات أخرى تجاوزت منتصف الليل، فأين كان المسؤولون في وكالة الأنباء وبقية أجهزة الدولة، ألم يلفت نظرهم خطورة ما ورد في التصريح من مواقف تمس مصالح قطر، فضلاً عن مصالح دول الخليج.
* *
قطر وما أدراك ما قطر، دولة صغيرة بمساحتها وسكانها وإمكاناتها، ومتواضعة بعدد مؤسساتها الرسمية، وهذا يعني أن أي حركة، وأي صوت، سوف يصل إلى جميع من يقيم في قطر في فترة زمنية قصيرة، فكيف إذا كان تصريحاً مهماً يحمل كل هذه المواقف الخطيرة، وعلى لسان الشيخ تميم آل ثاني، وفيه من المضامين التي لم يقلها غيره، ولم يسبق سموه فيها أيٌّ من الزعماء العرب، ألا يثير ذلك الشكوك والشبهات حول السياسة القطرية، وينفي زعم المؤامرة على وكالة الأنباء القطرية والشيخ تميم.
* *
ومثلما قلت من قبل في مقال سابق ونقوله الآن، ما زلنا ننتظر من أمير قطر أن يمتلك الشجاعة، ويوضح ما لبس علينا حول ما حدث، فالغموض حول هذا التصريح ما زال سيد الموقف، ولم يبدده نفي الدوحة، والزعم بأن وكالة الأنباء القطرية كانت ضحية اختراق من مجهول، هو بالنسبة لمن يمارس المهن الإعلامية، يرى فيه كذبة كبرى لامتصاص الغضب، بعد أن أدى التصريح دوره المرسوم في خلق هذا الجو غير الصحي بين دول مجلس التعاون.
* *
لا أزيد على ما قلت في هذا المقال، وما سبقه من مقالات عن ذات الموضوع، لكني على يقين أن ما قاله أمير قطر لا يعدو أن يكون زوبعة مصيرها الفشل، كما هي المشاغبات السابقة التي تجيدها الدوحة، وتُواجه عادة بإجراءات مضادة تفشلها من الوصول إلى أهدافها، وهذا ما سيكون مصير هذا التصريح الذي كنا نتمنى لو أنه لم يصدر من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر.
* *
يقول إخواننا في قطر إن هذا الاختراق لوكالة الأنباء القطرية سيتم ملاحقة من تسبَّب فيه، وأن دولاً سيدعونها لمشاركتهم في التحقيق، والتثبُّت من صحة أن الوكالة كانت مخترقة، ونقول لهم لا تتعبوا حالكم، فإزالة الغموض عن التصريح المسيء، والوصول إلى الحقيقة، بعيداً عن الاجتهادات، وعواطف من سيناط بهم التحقيق في الموضوع، وما يمكن أن يقال عنهم بإن هناك إملاءات عليهم، أن يصدر بيان قطري، يوضح الموقف القطري، والسياسة القطرية مما ورد في التصريح، وأن يلي ذلك التزام قطر بما تكون قد أكدت عليه في بيانها، وليت هذا البيان المقترح يكون باسم أمير قطر، لتفويت الفرصة على أعداء قطر وأعداء دول مجلس التعاون.
* *
فخروج تصريح بهذا السوء، ومن أمير يتولى السلطة في بلاده، وفي توقيت متزامن مع انتهاء القمم الثلاث التي عقدت بالرياض وحققت نتائج باهرة للقضاء على الإرهاب الذي تتهم قطر بأن لها دوراً في ذلك، بسبب استضافتها الإخوان المسلمين وحماس وعناصر أخرى، فضلاً عن قناة الجزيرة، وما تلعبه من تأثير في حشد الإرهابيين لإثارة الفوضى في دولهم، كما تفعل في برامجها الموجهة لمصر، وممارساتها مع دول أخرى كالبحرين وغيرها، لا يعالج إلا ببيان واضح يركز على ما أشرنا إليه.
* *
وبالنتيجة، فيا سمو الأمير تميم، لا نطالبك، ولا نريد منك، أكثر من إعادة النظر فيما هو موضع ملاحظة متكررة في السلوكيات القطرية، ووضع حد لكل التجاوزات التي تصدر من قطر وأصبحت مقلقة لدول الجوار، والعودة إلى الصف الخليجي بروح من المسؤولية، والشعور بأن ما يصيب أي دولة من دول المجلس من ضرر، إنما يصيب قطر بأبلغ الضرر، وأن يكون هذا التصريح الذي نقترحه على سموكم نهاية للمغامرات القطرية، وقطعاً لأيدي الأعداء التي تبطن الشر وتمارسه ضد وحدتنا الخليجية.