د. علي بن صالح الخبتي
بتكليف من جامعة الأعمال والتكنولوجيا في جدة مشكورةً بتمثيلها في مؤتمر يوميات التواجد العربي الإسلامي (حوار الحضارات) في العاصمة البرتغالية لشبونة في الفترة من 17-18 مايو 2017م، بدعوة من الغرفة التجارية الصناعية العربية البرتغالية، وبرعاية الرئيس البرتغالي حضرتُ المؤتمر الذي افتتحه رئيس الجمهورية البرتغالية البروفيسور الدكتور/ مارسيلو ربيلو ده سوزا، الذي قال في كلمته الافتتاحية بعد أن رحب بالحضور: «إن أهمية التواصل بين العرب والبرتغال قد جعلت الحضارة العربية الإسلامية ماضياً برتغالياً حضارياً، فالبرتغاليون لا ينظرون إلى المسلمين كمحتلين بل فاتحين للقلوب جالبين للحضارة، حيث أتوا ومعهم الفلسفة اليونانية والتي قاموا بترجمتها بالتعاون مع المسيحيين واليهود، ولهذا كانوا أمناء على الحضارة اليونانية. ولم يشعر اليهود بالاحترام في أوروبا إلا يوم جاء المسلمون الأندلس، حيث عاملوا الجميع معاملة إنسانية ورسخوا مبدأ الدولة للجميع، وانخرطوا في المجتمع حيث كانت الإدارة لهم بالرغم من أن وجودهم كان بعدد قليل. إننا لا نشعر بحقبة استعمارية لأننا وجدنا في العرب المسلمين القادمين بناة وأناساً متحضرين بعيدين عن السلب والنهب وسفك الدماء. لقد تركوا لنا آثاراً من القلاع والحصون والعمران ما جعل بلادنا متحفاً من الآثار نجني من خلالها الملايين من السياح. لقد دخلت اللغة العربية في لغتنا بآلاف الكلمات المستعملة في الحياة اليومية بل هناك مدن وقرى وهجر كلها بأسماء عربية بالرغم من تحريف بعض الألفاظ بسبب المدة أو طبيعة اللسان الأندلسي. لقد علمونا بناء السفن وصناعتها ومنهم تعلمنا سبر عمق البحار والاكتشافات الجغرافية».
وعلى منوال الرئيس المتواضع الذي لم يحضر معه حاشية سوى مرافق مدني واحد، تحدث أيضاً رئيس بلدية لشبونة الذي أكد أن العرب هم الذين بنوا لشبونة، وهم داخلون في تاريخنا الذي ندرسه لأولادنا. وتحدث رئيس بلدية مدينة سنترا عن المسلمين الذين لهم فضل على التاريخ والحاضر البرتغالي، وقال: «نحن نعترف بذلك لأنه من صميم تاريخنا، واعترافاً بذلك ها نحن في علم مدينة سنترا نضع الهلال على علمنا، وها نحن نجني آثار السياحة في هذه المدينة حيث بلغ عدد السياح ستة ملايين سائح حتى الآن».
لم أسمع شكوى منهم تجاهنا، فلسنا المغول ولا التتار ولا المستعمرين، بل ناشرون للحضارة تعلم الناس النظافة والطهارة والعقل والتفكير. تحدث في الجلسة الافتتاحية كل من: رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية العربية البرتغالية المهندس آنجلو كورايا وقاضي قضاة فلسطين الدكتور محمود الهباش وممثل وزير الثقافة في الجمهورية الجزائرية الأستاذ الدكتور ثامر محمود زيدان العاني وممثل معالي أمين عام جامعة الدول العربية، وقد شاركت جامعة الأعمال في المؤتمر بورقة بعنوان: «تعابير وإنجازات الإرث العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية» - الشكر على دعوة جامعة الأعمال والتكنولوجيا ورئيس مجلس الأمناء الذي أمثله شخصياً وأمثل الجامعة في هذا المؤتمر، كما شكرتُ الرئيس على ترحيبه بالمشاركين والغرفة التجارية الصناعية العربية البرتغالية على رعاية المؤتمر وشكرتُ جامعة لشبونة التي تحتضن المؤتمر وتقدم له الدعم الفني واللوجستي، ثم تحدثت عن الإسلام وقيمه السامية: المحبة، السلام، التسامح، التعاون، الصدق والأمانة التي كان المسلمون يتحلون بها عندما يذهبون للتجارة، مما دعا الناس للدخول في الإسلام وانتشاره في بقاع العالم وانتقلت إلى الفتوحات الإسلامية وتحديداً في شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) شبه الجزيرة الأيبيرية أو شبه جزيرة أيبيريا أو شبه الجزيرة الأيبيرية أو إِبَارِيَة أو جزيرة الأندلس أو شبه جزيرة الأندلس أو شبه الجزيرة الأندلسية أثناء فترة الحكم الإسلامي. دخول المسلمين الجزيرة في بداية القرن الثامن الميلادي وفتح الأندلُس خلال فترة قياسية نسبياً. وانتقل الحديث إلى اعتراف المسلمين بعد خضوع شبه الجزيرة الأيبيريَّة لهم بحقوقهم على اختلاف دياناتهم في إقامة شعائرهم الدينية كما هو الحال مع سائر أهالي البلاد المفتوحة من قبل المسلمين. ثم كيفية وأسباب الإقبال على اعتناق الإسلام وامتزاج أهالي الجزيرة مع الفاتحين الجُدد، الذي امتد إلى 800 عام. وشرحت كيف أسيس المُسلمون حضارةً عظيمة في البلاد الأندلسية حتى اعتُبرت «منارة أوروبا» خلال العصور الوسطى. ثم انتقلت إلى الآثار السياسية والعلمية والاجتماعية والفنية التي يقدرها سكان الجزيرة الأيبيرية إلى الآن ومنها:
أ- ثلاثة آلاف كلمة عربية في اللغة البرتغالية الحالية.
ب- استفادت الجزيرة الأيبيرية من الترجمات العربية للتراث اليوناني.
ج- استفادت الجزيرة من علم الرياضيات العربي.
د- ألفن الموسيقي والطبخ العربي والزيتون يطغى الآن في شبه الجزيرة الأيبيرية.
كما تحدثت عن اتفاق المؤرخين على أن دخول المسلمين والفتوحات الإسلامية للأندلس كان خيرًا على تلك البلاد، إذ انتشلها من الفوضى والتنازع السياسي وأحدث فيها ثورة اجتماعية، وقضى على المساوئ التي كانت البلاد ترزح تحتها منذ قرون عدة، وكذلك تسامح الإسلام بعد الفتح حيث سمح للسكان بالاحتفاظ بأراضيهم وممتلكاتهم. واختتمتُ ورقتي بالقول: لم يكن التأثير العربي والإسلامي على شبه الجزيرة الأيبيرية تأثيراً مادياً في العمارة وفي طريقة بناء المساجد وإن كان هذا أثراً عظيماً، لكنه كان أثراً دينياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، بقي ذلك الأثر إلى الآن.. وسكّان شبه الجزيرة الأيبيرية يقدرون للغرب والمسلمين الأثر الكبير عليهم في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية.
هذه الخطوط العريضة للورقة التي أعددتها للمؤتمر واختصارها لقصر المدة المعطاة للحديث.
ثانياً: الزيارات، قام المشاركون بزيارة مدينة سنترا التاريخية ذات الإرث الأندلسي، والتقينا عمدة المدينة الذي رحب بنا وتحدث معترفاً بالإرث الإيجابي والأثر الطيب للعرب والمسلمين في جزيرة إيبريا.. وأشار إلى علم المدينة الذي رسم عليه (الهلال الإسلامي) التزاماً بالفضل الإسلامي للعرب والمسلمين على جزيرة إيبريا.
كما زرنا «القلعة» التي تتحدث بكل سمو عن الإرث الإسلامي في جزيرة إيبريا.
والحقيقة أنني سررت كثيراً بما يتحدث عنه مسؤولو جزيرة إيبريا ابتداء من الرئيس ومروراً بالوزراء والمسؤولين عن الإرث الإسلامي في الجزيرة.
ولهذا أقترح أن يتم استثمار هذه المواقف الإيجابية لمسؤولي وسكان جزيرة إيبريا في الدفاع عن الإسلام وقيمه ومثله، وأنه يمثل السلام منذ زمن طويل، وأن المسلمين لهم إنجازات إيجابية منذ فجر الإسلام على كل بلدة يفتحونها وفي أي مكان يحلون.. والشواهد على ذلك كثيرة جداً.
لقد كان لجامعة الأعمال حضور فاعل من خلال المشاركة بورقة العمل والمداخلات وتوزيع هدايا تحمل اسم الجامعة. وأود هنا توجيه كلمة شكر لسعادة الأستاذ عادل بخش السفير السعودي في البرتغال الذي قدَّر لجامعة الأعمال ووزارة الشؤون الإسلامية المشاركة في هذا المؤتمر، لأن ذلك يعد حضوراً للمملكة العربية السعودية في المنتديات والمؤتمرات العالمية والإسلامية كقائدة للعالم الإسلامي ووجهة أساسية له بحكم خصوصيتها كمنبع الرسالة ومهبط الوحي وحاضنة للحرمين الشريفين.
وفق الله بلادنا وقادتها ومواطنيها..
وبالتوفيق لجامعتنا الفتية جامعة الأعمال والتكنولوجيا على حضورها الدائم والفاعل في مثل هذه المنتديات العالمية المهمة.