عبدالوهاب الفايز
في دول مجلس التعاون ثمة أمور تعودنا أن نتفق عليها جميعا وتبقى أقرب إلى (المحرمات)، ويأتي في مقدمة هذه الأمور (الأمن القومي لشعوب المنطقة)، وهذا يعود لحالة التداخل الشديد بين أهل الخليج العربي وقياداتها، تداخل اجتماعي، جغرافي، وارتباط قوي للمصالح الاقتصادية، وفِي مواقف وأحداث عديدة رأينا كيف تتناسى الناس والقيادات السياسية والفكرية الاختلاف في وجهات النظر، وتضع المشاكل الفرعية جانبا، وتصطف سويا لمواجهة المخاطر والتهديدات لأمن المنطقة.
أقرب مثال حي تنادت له الشعوب والقيادات هو خطر المشروع الطائفي الإيراني الذي انطلق بقوة مع احتلال العراق. هذا المشروع اتضح أنه أخطر تهديد تواجهه دول مجلس التعاون عندما باشر حرب احتلال اليمن التي شكلت تهديدا مباشرا لأمن دول المجلس، بل للأمن القومي العربي والإسلامي وتهديدا جديدا للسلام العالمي. ووصل نظام الملالي في إيران لهذا الانتشار المخيف لأنه خدعنا جميعا، واستغل طيبتنا وقلة خبرتنا في ألاعيب السياسة، واستثمر بخبث مشاكلنا واختلافاتنا.
إخواننا في قطر هم من دمنا ولحمنا وماضينا ومستقبلنا، هذه حقائق الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، ولن نتركهم فريسة سهلة لنظام الملالي، هم معنا يواصلون الإبحار والمسيرة في قلب القارب أو القافلة، وهذا الذي يجعلنا نعطي أنفسنا الحق التلقائي للفرح لأفراحهم، أو نحزن لأحزانهم، أو نخاف عليهم، أو حتى نغضب منهم، ونعاتبهم بكل حب واحترام وتقدير، وخوف.. هذا من حقنا، ولن نخفي مشاعرنا أوعتبنا، وإن سكتنا فسيكون سكوت الهارب من المسؤولية تجاه من يحب. ولن يرحمنا التاريخ!
كمواطن خليجي، هكذا أرى الصورة.. نحن في دول المجلس كأننا في قافلة واحدة في صحراء قاحلة واسعة يهددها السكون وتخاف من هبة ريح، وتمضي إلى وجهة واحدة، فيها أمنها واستقرارها والخير ينتظرها، هنا طبيعي أن تكون القافلة تحت (قلب واحد ويد واحدة)، تتحرك سويا، وتقف تتفقد أطرافها لتضمن سلامة الركب، وأن الكل يواصل المسيرة، وتبث العيون لتتحرى مخاطر الطريق واحتمالات الآفاق البعيدة.
وفي مسيرة دول المجلس، لم يعد ثمة احتمالا لعاصفة عاتية في الأفق، الخطر الإيراني دخل بيوتنا جميعا، مشروع الطائفية أخذ يفرقنا ويفرزنا، وفِي العراق تحولت الطائفية إلى بارود أشعل الحرب الأهلية وفعل ذلك في سوريا واليمن، ويحاول جاهدا في الخليج، ولكن الشعوب تحولت إلى برد وسلام لقتل هذا المشروع، بالذات الشيعة العرب الأقحاح الذين هم في قلب المواجهة مع هذا المشروع، لأنهم يعرفونه جيدا، ويعرفون كيف يحتقر الفرس العرب جميعا.
إنني على ثقة أن إخواننا في قطر لن تسمح لهم شيمهم العربية النبيلة ومعدنهم الأصيل أن يكونوا خارج المسيرة أو خطرا عليها، والقيادات في قطر، مثل أشقائهم في بقية دول المجلس، تهزمهم وتتغلب عليهم حكمتهم وبعد نظرهم وحسن تقديرهم للأمور، وقبل هذا (خوفهم) على سلامة أهلهم وشعوبهم، والرجوع إلى الحق فضيلة وشجاعة، والاعتذار يعرفه ويجيده الكبار.
في الأنظمة الملكية الممتدة التضحية وليس المجازفة هي الأساس، لذا.. دائما الحكمة تسود وتتغلب على سوء التصرف أو الاجتهاد غير المحسوب، نعرف ذلك وتعودنا عليه، لأن سلامة البلاد والنَّاس هو الأساس الذي أدام الحكم وصانه لمئات السنين، وهذا التواضع أمام حقائق الأمور والبعد عن عنتريات السياسة وزيف الزعامة وغرورها، هو الذي جعل دولنا تستقر أمنيا وتبقى مجالا مفتوحا للإعمار ومواصلة البناء، وهو الذي سوف يجعل المنطقة، بإذن الله، نموذجا في التكاتف والتعاون والاتحاد ووحدة المصير، رغم أنف ملالي طهران ومن شايعهم واصطف مع مشروعهم!