أ.د.عثمان بن صالح العامر
لم يحذّر الإسلام من شيء أشد من تحذيره من الشِّرك الذي حكم الله -عزّ وجلّ- بأنه لن يغفر لأصحابه {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، وليس الشِّرك درجة واحدة كما هو معلوم، إذ تحدّث العلماء وكتب المختصون في جل مصنّفات العقيدة السلفية الصحيحة -إن لم يكن كلها- عن هذا الانحراف الخطير في جانب التوحيد، مفرقين بين الشِّرك الأكبر والأصغر، محذّرين منهما ومبينين خطورتهما على الفرد والأمة، مستشهدين حين الحديث عن الأصغر بمثل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشِّرك الأصغر، قالوا: وما الشِّرك الأصغر؟ قال الرياء» ، ومبعث حديثي هنا عن هذا الأمر ما يقترفه البعض منا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من سلوك قد يعتقده طبيعياً ولا شيء فيه ولا علاقة له بالدين، مع أنه ربما أدخله في منظومة المرائين بأعمالهم الخيّرة وسلوكياتهم الحسنة وهو لا يعلم، ومثلاً على ذلك هناك من يغرد في حسابه أو يصور في سنابه أحواله كلها ليراه الناس مظهراً الجانب الخيّر لديه، أو أنه يعتذر عن إغلاقه جميع حساباته التواصليّة ليتفرغ للعبادة في شهر رمضان، مع أنه لو فعل هذا الشيء دون إخبار لم يفتقده أحد، أو يذكر أنه متوجه لأداء مناسك العمرة وسوف يدعو لجميع متابعيه، أو يصور نفسه في مسجده وهو يتلو القرآن أو يقبِّل يد أمه ويقدم لها الطعام، أو في حي شعبي فقير وهو يقف عند باب متهالك يطرقه ومعه ما جادت به نفسه، أو يقول مخاطباً من يقرأ له أو يشاهده إنه قرر ختم القرآن عدداً من المرات في هذا الشهر الكريم، أو ما إلى ذلك من سرده لتلك الأعمال المباركة التي الأصل فيها كونها من العبادات الخاصة التي تصل العبد بربه، والإخلاص فيها - مثله في ذلك المتابعة - شرط أساس للقبول، ولحساسية أمر الإخلاص ودقته ومشقّته على النفس البشرية، قال عنه العلماء: إنه من أصعب أعمال القلوب التي تحتاج إلى مراجعة ومتابعة دائمة، حتى لا تنزلق قدم هذا العبد عن جادة الحق فيقع في شرك الرياء.
إن فعل الخير قد يظهره صاحبه أو يُطلب منه إعلانه والتحدث عنه، ليس من أجل أن يحمده الناس ويقولون عنه خيّر وكريم، وإنما ليقتدي بصنعه الآخرون، وليكون أنموذجاً صالحاً في العطاء مثلاً، فهذا ليس هو المعني بهذا الحديث في ظني، بل ربما كان له «أجر من سنّ سنة حسنة فكان له أجره وأجر من عمل بها ليوم القيامة».. اللهم ارزقنا الإخلاص في العمل والمتابعة. دمتم بخير، وشهر مبارك، وإلى لقاء والسلام.