خالد بن فيحان الزعتر
التصريحات التي صدرت من قبل أمير قطر والتي سعت الدوحة بعد فترة طويلة إلى نفي هذه التصريحات تحت ادعاءات غير منطقية من الصعب تصديقها مثل ( الاختراق ) لا يمكن النظر لهذه التصريحات والعمل على وضعها في دائرة التحليل بعيداً عن القمم التي عقدت في الرياض والتي كان لهذه القمم نتائج ناجحة من جهة مخرجاتها ومن جهة أنها جاءت لترسم ملامح توافق عربياً وإسلامياً.
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية أول محطات جولاته الخارجية وهي بالطبع سابقة تاريخية، وقد اختار الرئيس الأمريكي الرياض لاعتبارات عدة أهمها أن المملكة العربية السعودية ذات ثقل سياسي ودبلوماسي ورأس حربة في مكافحة الإرهاب، والأهم أن الرياض تحظى بثقة وقبول لدى كافة الأطراف العربية والإسلامية وهذا ما سوف يساهم إلى حد كبير في تمهيد الطريق أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العمل على تحسين علاقات بلاده مع العالم العربي والإسلامي، هذه العلاقة التي يبدو أنها والتي تضررت كثيراً من سياسات سلفه الرئيس باراك أوباما.
ومن خلال النظر في مخرجات قمم الرياض الخليجية العربية الإسلامية الأمريكية يتضح لنا أن هناك توافقا كبيرا بين الرياض وواشنطن فيما يتعلق بملفات المنطقة، وبخاصة الملف الذي يحظى بأهمية كبيرة وهو مكافحة الإرهاب ومعاقبة إيران التي تكرر اسمها خلال القمم الثلاث والتي تحولت إلى دولة منبوذة، وأيضاً ظهر خلال القمة العربية والإسلامية الأمريكية نوع من الشفافية التي يحتاجها العالم وهي فيما يتعلق بضرورة كشف ومحاسبة الدول الداعمة للإرهاب، وهذا ما ظهر في كلمة الرئيس المصري وكلمة خادم الحرمين الشريفين عندما تحدث بكل شفافية بأن النظام الإيراني هو رأس حربة في دعم الإرهاب في المنطقة.
من خلال النظر إلى نتائج مخرجات قمم الرياض يتضح لنا أن ما خرجت به هذه القمم الثلاث التي عقدت أثناء زيارة الرئيس الأمريكي يصب في صالح أمن واستقرار المنطقة، ويبقى السؤال هنا: ما الذي أغضب الدوحة وجعلها تخرج في هذه التوقيت بهذه التصريحات التي لا يمكن النظر لها إلا أنها كارثة سياسية بجميع المقاييس وشذوذ عن الإجماع الخليجي والعربي، وكذلك الإسلامي الذي شدد على عزل إيران وتجفيف منابع تمويل الإرهاب وهذه الخطوة ليست بجديدة على سياسة الدوحة المعروف عنها أنها تتعمد الخروج عن المسار الطبيعي وتجنح دائماً للشذوذ عن الإجماع الخليجي والعربي والإسلامي، لكن ربما أن ما يختلف اليوم عن السابق أنها بدلا من الشذوذ عن الإجماع سراً تحولت إلى الشذوذ عن الإجماع بشكل علني.
ربما وجدت قطر بعد النجاح الذي حققته قمم الرياض أنها أصبحت دولة هامشية في السياسة الدولية وان السياسات الأمريكية التي كانت متوافقة مع السياسة القطرية إبان عهد إدارة الرئيس باراك أوباما قد شهدت الكثير من التغييرات في عهد إدارة ترامب التي كشفت تصريحات تميم وجود توتر في علاقات بلاده مع إدارة ترامب والتي سوف يكون لهذه التغييرات في السياسة الأمريكية الجديدة انعكاسات كبيرة على المشروع القطري الطامح للبحث عن دور يتخطى حدود الإمارة الصغيرة للبحث عن دور إقليمي، وأن يكون للدوحة دور وحضور في أية ترتيبات قادمة في الإقليم والتي جعل الدوحة الغنية بالغاز تسعى لتسخير كافة إمكاناتها المادية والإعلامية في دعم جماعات الإسلام السياسي والدخول في خط الوساطة بين التنظيمات المسلحة، وبخاصة المصنفة إرهابيا مثل تنظيم جبهة النصرة وكل ذلك من أجل أن يخلق لقطر مكانة على الساحة الدولية والإقليمية تتخطى مساحتها الصغيرة، لذلك نجد أن هذه التصريحات التي صدرت من قبل أمير قطر والتي تهدف لضرب قمم الرياض ومخرجاتها والتشكيك فيما حققته القمم من تلاحم خليجيا وعربيا وإسلاميا وتوافقاً سياسيا كنوع من أنواع التعبير عن غضب الدوحة التي أدركت أنها تحولت إلى دولة هامشية في مسرح السياسة الدولية.
وبالعودة إلى التصريحات المنسوبة لأمير قطر والتي سعت الدوحة إلى العمل على نفي هذه التصريحات تحت مسمى الاختراق وهو نفي غير منطقي لا يمكن تصديقه بالنظر إلى العديد من الأدلة التي أثبتت استحالة اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وأيضا بالنظر إلى المواقع ومواقع التواصل الاجتماعي القطرية التي تناقلت هذه التصريحات، نجد أن سعي قطر إلى نفي هذه الصريحات ليس أمراً مهماً، لأنه من الواجب على الدوحة إذا كانت جادة في السعي إلى نفي مثل هذه التصريحات أن تسعى لنفيها سياسياً وليس إعلامياً، وذلك من خلال إحداث تغيير في السياسية القطرية التي كشفت هذه التصريحات كمية التخبط التي تعاني منها لأنه لو تمت المقارنة بين التصريحات التي تنفيها الدوحة وبين سياستها الخارجية نجدها متطابقة بعض الشيء ما يعني ذلك أن هذه التصريحات وبخاصة فيما يتعلق بالعلاقات القطرية الإيرانية لم تأت هذه التصريحات بجديد يتنافى مع السياسية الخارجية القطرية.
وعندما ننظر إلى الاتصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني وبين أمير قطر والذي من خلاله أبدت الدوحة رغبتها في تعزيز العلاقة مع إيران في هذا التوقيت الذي تشهد فيه علاقات قطر توتراً مع جيرانها العرب الخليجيين لا يمكن النظر لمثل هذه الخطوة إلا أن قطر ينصب اهتمامها على تعزيز علاقاتها بإيران وبدلا من التهدئة مع جيرانها الخليجيين نجد أن هذه الخطوة لا يمكن قراءتها إلا أنها محاولة من الدوحة للتصعيد وهذا يعطي لتصريحات تميم التي سعت الدوحة إلى نفيها مصداقية أكثر ويبدد الشكوك التي ثارت حول مصداقيتها.