حوار - عبده الأسمري:
كشف الدكتور سعيد بن أحمد الأفندي المشرف العام على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية رئيس اللجنة التنفيذية لمعرض «نايف.. القيم» في حوار مع «الجزيرة» أن رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - إطلاق معرض «نايف.. القيم» والندوات المصاحبة للمعرض هي تتويج لمسيرة كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية، وإعلاء لمفهوم القيم الأخلاقية، وإبراز لدور الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - كشاهد على القيم الأخلاقية في المجالات الشخصية والعملية والإدارية والوطنية.
وأوضح الدكتور الأفندي أن فعاليات معرض «نايف.. القيم» ستستمر لمدة 7 أيام، يشاهد خلالها الزوار فيلمًا وثائقيًّا عن الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله -، إضافة إلى أوبريت من إعداد وتنفيذ طلاب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، إضافة إلى عدد من الأجنحة التي يمثل كل جناح منها قيمة من قيم الأمير الراحل.
وحول أعمال كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز ودوره ومهامه وطبيعة عمله أكد الأفندي وجود عشرات الخطط المدروسة والمجدولة، التي تتضمن خططًا استراتيجية مستمرة وفق نظام عملي مدروس ومهني واحترافي. وأضاف بأن الكرسي يعكف على إعداد دراسة عن القيم الأخلاقية للمرأة، وسبل تعزيزها، وأن العمل جارٍ، والتفاهم قائم لإدراج القيم الأخلاقية ضمن مناهج التعليم العام. وتطرق الأفندي إلى العديد من النواحي في سياق الحوار الآتي:
* تقومون في كرسي الأمير نايف بتقديم الحلول العلمية والعملية للمشكلات لحلها، والحد منها، فما هي أبرز هذه المشكلات التي تعملون عليها؟ وكيف تفاعلتم معها؟
- إن أبرز المشكلات التي نعمل عليها تتمثل في مشكلة العنف والإرهاب، ومشكلة التماسك الاجتماعي، ومشكلة اضطراب القيم عند الشباب نتيجة الانفتاح الثقافي والإعلامي الكبير، ومشكلة الانتماء والولاء للوطن عند قطاع الشباب، وتراجع احترام وتوقير المعلمين والكبار، ومشكلة ضعف القدوة في الأسرة والمجتمع والعمل.. ونحن نتفاعل معها عن طريق تقديم المشورة، وإجراء الأبحاث ذات الصلة، والمشاركة في الندوات، وعن طريق التعاون مع إدارة التعليم وبعض الهيئات الاجتماعية والتجارية، وعن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.
* ما أبرز الوسائط الإعلامية التي يعمل عليها كرسي الأمير نايف لنشر القيم؟
- الوسائط الإعلامية التي يعمل الكرسي عليها هي الصحف اليومية الورقية والإلكترونية، والكتّاب الصحفيون، والإذاعات والقنوات التلفزيونية، وموقع الكرسي الإلكتروني على شبكة الإنترنت، وحساب الكرسي وتغريداته على تويتر، وعن طريق التواصل الكتابي مع عدد من الصحفيين والكتّاب المهتمين بحالة الأخلاق والقيم.
* تعدُّ وسائل التواصل فضاء مفتوحًا، وعبره تنتقل الكثير من الأفكار التي قد تؤثر في القيم الأخلاقية.. ما هو دوركم في هذه الوسائل؟ وما أبرز التطبيقات التي تعملون عليها؟
- نعم، نحن ندرك أهمية وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي الحديثة، وخطورة ما يُنشر في المواقع المختلفة. وقد عملنا في هذا الجانب على مسارين، أولهما دعمنا - ولا نزال ندعم - الدراسات والأبحاث المتعلقة بأثر وسائل الاتصال الحديثة على القيم الأخلاقية، وهي أبحاث جادة ورصينة، وأشارت نتائجها إلى هذا الأثر الكبير، وإلى ضرورة التوجيه السليم والتوعية المستنيرة والمتابعة المستمرة لما يقرؤه الشباب عليها. وقد نشرنا هذه الأبحاث ونتائجها وتوصياتها على موقع الكرسي الإلكتروني على الإنترنت، وأرسلناها إلى الجهات المختصة للإفادة منها في رسم السياسات المستقبلية.
وثانيها أننا نستفيد من هذه الوسائل، ونحرص على التواصل المباشر مع المجتمع، ونشر الأفكار البناءة، والتحذير من بعض السلبيات، وإبراز القيم الإيجابية وتعزيزها. وحساب كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية على تويتر (@naifchair) يقوم بدور بنَّاء ومتصاعد، أسفر عن وجود أكثر من 25 ألف متابع متفاعل مع الحساب بالتعليق وإعادة التغريد والاقتباس منه.
* تعدُّ البحوث العلمية هي أحد المفاتيح الأساسية للوصول لعمق المشكلة ومعالجتها، فما هي البحوث التي عملتم عليها وأبرز النتائج التي توصلتم لها؟
- هذا صحيح، والكراسي العلمية هي كراسي بحثية في الدرجة الأولى، وقد عُني الكرسي منذ بداية نشاطه بدعم الأبحاث العلمية المتعلقة بدراسة حالة القيم في الشرائح الاجتماعية المختلفة، ووسائل تنميتها وتعزيزها، ووسائل معالجة الثغرات.. وقد دعم الكرسي ماديًّا ومعنويًّا حتى الآن 35 بحثًا علميًّا مهمًّا، ونشرنا ما أُنجز منها، ووزعناها على الفعاليات المختلفة، ونشرناها على موقع الكرسي أيضًا. وهذه الأبحاث متعددة المحاور والموضوعات؛ فمنها أبحاث تتعلق بعلاقة القيم الأخلاقية بمقاصد الشريعة الإسلامية، وضرورة العمل على تعزيزها، ومنها أبحاث عالجت حالة القيم السائدة لدى طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز، وعلاقة القيم الأخلاقية بأساليب التنشئة الوالدية لدى المراهقات المحرومات أسريًّا، والقيم الأخلاقية الناتجة من أساليب المعاملة الوالدية في المجتمع السعودي. وهناك أبحاث تتعلق بالقيم الأخلاقية الإسلامية المتضمنة في مقررات اللغة الإنجليزية، وبحث يتعلق بأثر التدريس باللغتين العربية والإنجليزية لبعض مناهج التعليم في القيم الأخلاقية لطلاب المرحلة الثانوية، وبحث يتعلق ببعض العوامل النفسية والاجتماعية المرتبطة بالقيم الأخلاقية، وبحث يتعلق بالتغير القيمي لدى العائدين من الابتعاث الخارجي، وبحث يتعلق بقيمة العمل بمفهومه الواسع، وبحث يتعلق بدور الأسرة السعودية في تعزيز القيم الأخلاقية والمعوقات التي تواجهها، وغيرها الكثير. وهناك دراسة مهمة على المستوى الوطني تُعدُّ حاليًا عن حالة القيم الأخلاقية لدى المرأة ووسائل تعزيزها، وستنتهي قريبًا - إن شاء الله - وكل هذه البحوث أعدها ويعدها أساتذة أكاديميون متخصصون ملتزمون بالمنهج العلمي، وقد توصلوا إلى نتائج مهمة، منها إيجابية، ومنها سلبية، وإلى توصيات علمية مفيدة مبنية على هذه النتائج.
تشتكي العائلات من تأثير التقنية على أخلاقيات أبنائهم.. هل توافقونهم هذا الشعور؟ وهل سبق أن درستم مثل هذه الإشكاليات بالتعاون مع جهات تقنية ذات اختصاص؟
- نعم، لقد أظهرت الأبحاث العلمية أن للتقنية الحديثة ووسائلها الإعلامية تأثيرًا سلبيًّا على القيم الأخلاقية لدى الشباب والشابات، تمثل في اضطراب القيم وانحدارها لديهم، وأحيانًا إلى الانحراف في المفاهيم الدينية والأخلاقية، كالعنف والتطرف والنزعة التكفيرية والتغريب والإمعية، والانحلال الخلقي، واضطراب قيم الانتماء الديني والوطني. ولا شك أن هذا يزيد من مسؤوليتنا في الدوائر التعليمية والتربوية والثقافية، ومن ضرورة ترشيد استخدام التقنية للأطفال والشباب والشابات، وضرورة مراقبتها واستثمارها لتكوين المناعة الأخلاقية عند أجيالنا الصاعدة. وهذا ما نعمل عليه في موقع الكرسي الإلكتروني وحسابه على تويتر.
* يقال إن سقوط القيم قد يكون بداية لانحراف البعض.. هل تؤيدون هذا القول؟ وهل يتعاون الكرسي مع الجهات الأمنية للاطلاع على أبرز القيم المنهارة لتنميتها؟ حدثونا عن ذلك.
- لا شك في أن استقرار القيم الأخلاقية ورسوخها يشكل ضرورة اجتماعية وأمنية؛ فالقيم الأخلاقية تقوم بدور الوقاية من المفاسد السلوكية والاضطرابات الاجتماعية، وهي عامل مهم في الإنتاج والاستقرار والتقدم.. واضطراب القيم أو انحسارها نذير شر مستطير في أي مجتمع من جميع النواحي الإنتاجية والأسرية والأمنية؛ فقيمة الوسطية والاعتدال قيمة جوهرية، وكذلك قيم الاستقامة والصدق والأمانة وتحمُّل المسؤولية والعمل المنتج واحترام الكبار وتوقيرهم، واحترام المرأة وتقديرها، وغيرها من القيم.. ولا شك في أن انحسار هذه القيم أو ضعفها يؤدي إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية وأمنية كثيرة. ونحن نعمل عن طريق الأبحاث العلمية والنشاط الثقافي المتنوع على تعزيز القيم وتنميتها لدرء المخاطر المختلفة عن مجتمعنا.
* أحد أهدافكم تعريف المجتمعات بالقيم الأخلاقية في الداخل والخارج من خلال الندوات والمحاضرات وغيرها.. فلماذا تتجهون للخارج؟ وهل هناك تعاون مع جهات خارج المملكة للكرسي؟
- أكثر عملنا ونشاطنا هو في الداخل. وقد أقمنا بعض الشراكات مع بعض الهيئات في الخارج. وقد حضر الكرسي بعض اللقاءات التي عقدت في الخارج، في الأردن مثلاً، ولكن نشاط الكرسي الأساسي أكثره في داخل المملكة. وقد ترجمنا محاضرة أستاذ الكرسي معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد عن «القيم الأخلاقية بين الإسلام والغرب» إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ وذلك للتعريف بمنظومتنا الأخلاقية لغير الناطقين بالعربية. وهناك خطة للتواصل والتعاون مع بعض المؤسسات القيمية الجادة في الخارج، كما في دولة المغرب الشقيقة، ودولة قطر الشقيقة أيضًا.
* تتعاونون مع هيئة تقويم التعليم لإعداد مصفوفات القيم الأخلاقية لإدراجها ضمن المناهج، فأين وصلتم في هذا الجانب؟ وهل ستدخل هذه المصفوفات في مناهج العام القادم؟
- نعم، هذا صحيح، وقد أعددنا عددًا من مصفوفات القيم الأخلاقية وعناصرها ومتطلباتها لإدراجها ضمن المناهج التعليمية في مراحل التعليم العام المختلفة، وقد أرسلناها إليهم. وقد حضرت شخصيًّا، منذ أسبوع تقريبًا، اجتماعًا خاصًّا لمناقشة هذا الموضوع في هيئة تقويم التعليم في الرياض، ونأمل بأن يتحقق هذا الهدف في أقرب الآجال؛ فهناك اقتناع تام ومشترك في وزارة التعليم وفي هيئة تقويم التعليم بأن العملية التعليمية لا يجوز أن تنفك عن العملية التربوية الأخلاقية، ووضع القيم الأخلاقية داخل مناهج المقررات المختلفة أمر حيوي في التكوين العلمي والخلقي، على أن المهم هو تكوين المعلم وتأهيله تأهيلاً علميًّا وتربويًّا وأخلاقيًّا متكاملاً؛ ليكون قدوة لطلابه؛ فالموضوع في الحقيقة ليس تعليم القيم فقط بل التربية على القيم وغرسها وتدريب الطلاب على تمثلها.
* ما هي أبرز الإنجازات لكرسي الأمير نايف منذ إنشائه حتى اليوم؟
الحديث يطول حول هذا السؤال وجوابه، ويمكنني أن ألخص الإجابة بذكر أبرز إنجازات الكرسي كما يأتي:
- دعم الكرسي عددًا كبيرًا من الأبحاث والدراسات العلمية (35 بحثًا ودراسة) حول موضوعات القيم الأخلاقية في شرائح اجتماعية مختلفة، وهو العمل الأساسي للكراسي العلمية، وتم إيصال نتائج وتوصيات هذه الأبحاث للجهات الحكومية والأهلية المهتمة بالموضوع.
- نفذ الكرسي ثلاثين ورشة عمل متنوعة حول تعزيز القيم الأخلاقية في مختلف أنحاء المملكة.
- عقد مؤتمر عام في رحاب جامعة الملك عبد العزيز عن القيم الأخلاقية ودورها في الحوار والتعاون الإنساني والحضاري بين الأمم.
- قدم الكرسي 12 محاضرة عامة لإثراء المعرفة بموضوع القيم الأخلاقية.
- إعداد مشروع خطة جامعية لتعزيز القيم الأخلاقية الواردة في رؤية 2030.
- قدم الكرسي مشروعًا لإعداد خطة استراتيجية وطنية لتعزيز القيم الأخلاقية 1438 - 1442هـ.
- شارك الكرسي في تسعة مؤتمرات ومنتديات داخل وخارج المملكة في إطار القيم الأخلاقية.
- دعم عددًا من الرسائل الجامعية في موضوع الأخلاق والقيم.
- إطلاق مشروع سفراء القيم بين الطلاب والطالبات؛ ليكونوا نماذج حية بين إخوانهم وزملائهم.
- إطلاق مسابقة أخلاق للأفلام القصيرة التي تفاعل معها عدد كبير من المهتمين، وتم إقامة مهرجان مصغر لها في جامعة الملك عبدالعزيز.
- إقامة عدد من الشراكات والتفاهمات مع بعض الهيئات والمؤسسات الوطنية، وتوقيع 5 مذكرات تفاهم.
- نشر الكرسي 15 مجلدًا متنوعًا حول القيم الأخلاقية، تم تزويد الجامعات ومراكز البحوث بنسخ منها.
- ترجمة بعض المحاضرات إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
- تحكيم عدد من الدراسات ومواثيق أخلاقيات التعليم وأخلاقيات المهنة، وغيرها.
- تقديم عدد كبير من الاستشارات العلمية حول موضوعات القيم الأخلاقية.
- إسهام الكرسي في حساب التويتر وعلى موقع الكرسي الإلكتروني لنشر القيم الأخلاقية الإيجابية وتعزيزها.
- النشاط الإعلامي، والصحفي بخاصة، والتواصل مع أكثر من 200 كاتب صحفي، ناقشوا موضوع القيم المشاركة في كثير من اللقاءات التربوية والثقافية حول القيم الأخلاقية.
- أعد الكرسي ببلوجرافيا، تضمنت أعمال المؤلفين والباحثين القدامى والمحدثين الذين اهتموا وعالجوا موضوعات الأخلاق والقيم.
- وأخيرًا العمل الحثيث لإقامة معرض نايف القيم في رحاب جامعة الملك عبد العزيز خلال شهر شعبان.
* هل تعتقدون أن «سفراء القيم» سيسهم بشكل كبير في إيصال رسالتكم؟ وكم عدد السفراء المستهدفين؟
- نعم، نعتقد ذلك، وهو مشروع شبابي فعَّال؛ لأن اختيار هؤلاء السفراء والسفيرات سيجعلهم أكثر التزامًا وحماسًا في تمثل القيم الأخلاقية وتمثيلها ونشرها وترسيخها، كما أن القدوة الحسنة خير وسيلة لنشر القيم والتحلي بها؛ فهؤلاء السفراء نعدهم ليكونوا قدوات أخلاقية في سلوكهم وجديتهم وولائهم لوطنهم ودراستهم وتعاملهم الأخلاقي مع زملائهم وأصدقائهم. إنه مشروع واعد إلى حد كبير، ويضم الآن نحو تسعين سفيرًا وسفيرة من طلاب الجامعة وطالباتها. والحمد لله على توفيقه.