د. خيرية السقاف
الرابع هذا اليوم في أيام رمضان,
بكل ثانية في ساعة منه هو رمضان, بكل ما يفيض به من الخفايا, والنبضات, والخوف, والرجاء, والتأمل, والامتناع..
صوم ٌ لا لحرمان من قطرة ماء في نهار تشتد حرارته تتاخم نصف المئة في مؤشر درجة ارتفاعها, ولا لمنع لقمة هنيئة من أطايب الطعام عن جوف ربما يتضور جوعا..
إنه رمضان معنى الطاعة ومبناها, شكل الحب وهيئته, سبيل العمل ومادته!!
ما احتسبه المرء لله, وآمن بأنه له وحده, حيث خص ذاته العظيمة به, طمعا في رحمته, وإقبالا على طاعته رسمت له مخيلته ما اشتهى من النعم, وتمادت به نحو ما لا يعرف من بديع جناته, وفيض عطائه, ومنتهى رحمته..
القلب الذي يشغله المرء بما يخفق به, بما يميل إليه, بما يتوق إليه من نعيم الدنيا, حين يخفق بما ليس يدري من نظائر في بعيد غيبي عنه, وبين يديه ما يخلب لبه, سوف لا يتوانى عن الاستسلام صوما احتسابا, صوما إيمانا, صوما رغبة, واهتبالا لكل ما هنالك مما لا يعلم من النعيم والجزاء والقرب والمثول..
يكفي رمضان إن لم يفعل بهذا المرء إلا وخزة جوع تذكره بالشبع, وجفاف عطش يفعل به الرواء..
يكفي رمضان أن يجمع اللُّحْمة حول الطبق, والشراكة في إناء الماء, والتكاتف في صف الصلاة..
يكفي رمضان أن يربي, اللسان يُحبس عن الفائض, العين تقْصُر عن الامتداد, اليد تُفتح للإفاضة..
يكفي رمضان هذا الزخم المتدفق بين الضلوع دون حولٍ بشري, دون إرادة جمْعية,
دون مبادرة فردية يصبغ الأرجاء, والأنحاء جوف النفوس, ومكنون الأرض بالإنسان!!..
يكفي أنه الطارق الأذهان بحقيقة الإنسان, الماثل بالرسالة بمكرمة الله..
ما أجلك يا الله,
يزيد المخلوق نأيا, وتزيد قربا, ينطلق هدرا, فتهبه ركنا,
ينسى فتذكره, يجفو فتكنفه, يمنع فتعطيه, يتأخر فتدركه,..
رمضان محك الاحتساب, والإيمان,
فيضٌ فراتيٌ عذبٌ من رحمة الله بنا...
ما أعظمه من عطاء
حيث أنت يا الله ترى,
فتجعل مغفرتك لما قدمنا من الذنب,